يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠)
(بِذُنُوبِكُمْ) أي فإن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تعذبون بذنوبكم بالمسخ والنار أياما معدودة على زعمكم؟ وهل يمسخ الأب ولده؟ وهل يهذب الوالد ولده بالنار؟ ثم قال ردا عليهم (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أي أنتم خلق من خلقه فلا بنوة (١) (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن تاب عن الكفر فضلا (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) من مات عليه عدلا (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فيه تنبيه على عبودية المسيح لأنّ الملك والبنوّة متنافيان.
١٩ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) محمد عليهالسلام (يُبَيِّنُ لَكُمْ) أي الشرائع ، وحذف لظهوره ، أو ما كنتم تخفون ، وحذف لتقدم ذكره ، أو لا يقدر المبين ويكون المعنى يبذل لكم البيان ، وهو حال أي مبيّنا لكم (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) متعلق بجاءكم ، أي جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل ، وانقطاع من الوحي ، وكان بين عيسى ومحمد عليهالسلام ستمائة سنة ، أو خمسمائة وستون سنة (أَنْ تَقُولُوا) كراهة أن تقولوا (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) والفاء في (فَقَدْ جاءَكُمْ) متعلق بمحذوف ، أي لا تعتذروا فقد جاءكم (بَشِيرٍ) للمؤمنين (وَنَذِيرٌ) للكافرين ، والمعنى الامتنان عليهم بأنّ الرسول بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي أحوج ما يكونون إليه ليهشّوا إليه ويعدّوه أعظم نعمة من الله ، وتلزمهم الحجة فلا يعتلّوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلتهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فكان قادرا على أرسال محمد عليهالسلام ضرورة.
٢٠ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) لأنّه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) لأنّه ملّكهم بعد فرعون ملكه ، وبعد الجبابرة ملكهم ، ولأن الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء ، وقيل الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار ، وكانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية ، وقيل من له بيت وخدم ، أو لأنّهم كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله
__________________
(١) في (ز) لا بنوه.