(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦)
كذلك إذ لو قالوا ذلك اعتقادا وكفروا به لحاربهم موسى ولم تكن مقاتلة الجبارين أولى من مقاتلة هؤلاء ، ولكن الوجه فيه أن يقال فاذهب أنت وربّك يعينك على قتالك ، أو وربّك أي وسيدك وهو أخوك الأكبر هارون ، أو لم يرد به حقيقة الذهاب ولكن كما تقول كلمته فذهب يجيبني تريد معنى الإرادة ، كأنهم قالوا أريدا قتالهم (فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم ، فلما عصوه وخالفوه :
٢٥ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ) لنصرة دينك (إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) وهو منصوب بالعطف على نفسي ، أو على اسم إن أي إني لا أملك إلا نفسي وإنّ أخي لا يملك إلا نفسه ، أو مرفوع بالعطف على محل إنّ واسمها ، أو على الضمير في لا أملك ، وجاز للفصل أي ولا يملك أخي إلا نفسه ، أو هو مبتدأ والخبر محذوف ، أي وأخي كذلك ، وهذا من البثّ والشكوى إلى الله ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النّصرة ، وكأنه لم يثق بالرجلين المذكورين كلّ الوثوق فلم يذكر إلّا النبي المعصوم ، أو أراد ومن يؤاخيني على ديني (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا وتحكم عليهم بما هم أهله ، وهو في معنى الدعاء عليهم ، أو فباعد بيننا وبينهم وخلّصنا من صحبتهم كقوله : (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١).
٢٦ ـ (قالَ فَإِنَّها) أي الأرض المقدسة (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) لا يدخلونها ، وهو تحريم منع لا تحريم تعبد كقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) (٢) والمراد بقوله : كتب الله لكم أي بشرط أن تجاهدوا أهلها ، فلما أبوا الجهاد قيل فإنّها محرمة عليهم ، أو المراد فإنّها محرمة عليهم (أَرْبَعِينَ سَنَةً) فإذا مضى الأربعون كان ما كتب ، فقد سار موسى عليهالسلام بمن بقي من بني إسرائيل ، وكان يوشع على مقدمته ، ففتحها وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض. وأربعين ظرف التحريم ، والوقف على سنة ، أو ظرف (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) أي يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا أربعين سنة ، والوقف على عليهم ، وإنما عوقبوا بالحبس لاختيارهم المكث ، فكانوا مع شدة سيرهم يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا في ستة فراسخ ، ولما ندم على
__________________
(١) التحريم ، ٦٦ / ١١.
(٢) القصص ، ٢٨ / ١٢.