(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧)
الدعاء عليهم قيل له (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) فلا تحزن عليهم لأنهم فاسقون ، قيل لم يكن موسى وهارون معهم في التيه لأنه كان عقابا ، وقد سأل موسى ربه أنه يفرق بينهما وبينهم ، وقيل كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلاما لا عقوبة ، ومات هارون في التيه وموسى فيه بعده بسنة ، ومات النقباء في التيه إلا كالب ويوشع.
ثم أمر الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يقص على حاسديه ما جرى بسبب الحسد ليتركوه ويؤمنوا بقوله :
٢٧ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) على أهل الكتاب (نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ) من صلبه هابيل وقابيل ، أو هما رجلان من بني إسرائيل (بِالْحَقِ) نبأ ملتبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأولين ، أو تلاوة ملتبسة بالحق والصحة (١) ، أو واتل عليهم وأنت محق صادق (إِذْ قَرَّبا) نصب بالنبأ ، أي قصتهما وحديثهما في ذلك الوقت ، أو بدل من النبأ ، أي اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف (قُرْباناً) ما يتقرب به إلى الله من نسيكة أو صدقة ، يقال قرّب صدقة وتقرّب بها لأنّ تقرّب مطاوع قرّب ، والمعنى إذ قرّب كلّ واحد منهما قربانه ، دليله (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما) قربانه وهو هابيل (وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) قربانه وهو قابيل ، روي أنّه أوحى الله تعالى إلى آدم أن يزوّج كلّ واحد منهما توأمة الآخر ، وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها أقليما فحسد عليها أخاه (٢) ، فقال لهما آدم قرّبا قربانا فمن أيكما قبل يتزوجها ، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته ، فازداد قابيل حسدا وسخطا وتوعده بالقتل ، وهو قوله (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ) أي هابيل (٣) (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وتقديره قال : لم تقتلني؟ قال : لأن الله قبل قربانك ولم يقبل قرباني ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين وأنت غير متق ، فإنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى لا من قبلي. وعن عامر بن عبد الله (٤) أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : ما يبكيك وقد كنت وكنت؟
__________________
(١) في (ز) بالصدق والصحة.
(٢) في (ز) فحسده عليها أخوه وسخط.
(٣) قطعنا الآية كما في (أ) و(ظ).
(٤) عامر بن عبد الله المعروف بابن عبد قيس العنبري ، تابعي من بني العنبر. قال أبو نعيم : هو أول من عرف بالنسك من عبّاد التابعين بالبصرة مات في بيت المقدس عام ٥٥ ه (الأعلام ٣ / ٢٥٢).