(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٩)
كل هذا الطعام فإن لم تأكله فإنّك ما أكلته ، قلنا هذا أمر بتبليغ الرسالة في المستقبل ، أي بلغ ما أنزل إليك من ربّك في المستقبل ، فإن لم تفعل أي وإن لم تبلغ الرسالة في المستقبل فكأنّك لم تبلغ الرسالة أصلا ، أو بلغ ما أنزل إليك من ربّك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدة ، فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلا ، أو بلغ ذلك غير خائف أحدا ، فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنّك لم تبلغ الرسالة أصلا ، ثم قال مشجعا له في التبليغ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يحفظك منهم قتلا ، فلم يقدر عليه وإن شج في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيّته ، أو نزلت بعد ما أصابه ما أصابه ، والناس الكفار بدليل قوله (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لا يمكّنهم مما يريدون إنزاله بك من الهلاك.
٦٨ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) على دين يعتدّ به حتى يسمّى شيئا لبطلانه (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني القرآن (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) إضافة زيادة الكفر والطغيان إلى القرآن بطريق التسبيب (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فلا تتأسف عليهم فإنّ ضرر ذلك يعود إليهم لا إليك.
٦٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم وهم المنافقون ودل عليه قوله : (لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) (١) (وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) قال سيبويه وجميع البصريين : ارتفع الصابئون بالابتداء وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيز إنّ من اسمها وخبرها ، كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والصابئون كذلك ، أي من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ، فقدم وحذف الخبر كقوله (٢) :
__________________
(١) سبق ذكرها الآية ٤١.
(٢) القائل هو ضابئ بن الحارث البرجمي (... ـ ٣٠ ه) مات في سجن عثمان بن عفان رضي الله عنه وسجن لقتله صبيا بدابته ثم لمحاولته قتل أمير المؤمنين (الأعلام ٣ / ٢١٢).