(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٧٥)
وهو الله وحده لا شريك له ، وفي قوله (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) للبيان ، كالتي في (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١) ولم يقل ليمسنّهم لأنّ في إقامة الظاهر مقام المضمر تكريرا للشهادة عليهم بالكفر ، أو للتبعيض أي ليمسنّ الذين بقوا على الكفر منهم لأنّ كثيرا منهم تابوا عن النصرانية (عَذابٌ أَلِيمٌ) نوع شديد الألم من العذاب.
٧٤ ـ (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه ، وفيه تعجيب من إصرارهم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم.
٧٥ ـ (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ) فيه نفي الألوهية عنه (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) صفة لرسول ، أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله ، وإبراؤه الأكمه والأبرص وإحياؤه الموتى لم يكن منه ، لأنه إله (٢) ، بل الله أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى على يده ، كما أحيا العصا وجعلها حية تسعى على يد موسى. وخلقه من غير ذكر كخلق آدم من غير ذكر وأنثى (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) أي وما أمه أيضا إلّا كبعض النساء المصدقات للأنبياء المؤمنات بهم ، ووقع اسم الصديقة عليها لقوله تعالى : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) (٣) ثم أبعدهما عما نسب إليهما بقوله (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنفض (٤) لم يكن إلّا جسما مركبا من لحم وعظم وعروق وأعصاب وغير ذلك ، مما يدلّ على أنّه مصنوع مؤلف كغيره من الأجسام (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) أي الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله بعد هذا البيان ، وهذا تعجيب من الله تعالى في ذهابهم عن الفرق بين الربّ والمربوب.
__________________
(١) الحج ، ٢٢ / ٣٠.
(٢) في (ز) لأنه ليس إلها.
(٣) التحريم ، ٦٦ / ١٢.
(٤) في (ز) النقض.