صورة إجماعا ، فلم يبق غيرها مرادا ، إذ لا عموم للمشترك ، فإن قلت : قوله من النّعم ينافي تفسير المثل بالقيمة قلت : من أوجب القيمة خيّر بين أن يشتري بها هديا أو طعاما أو يصوم كما خيّر الله تعالى في الآية ، فكان من النّعم بيانا للهدي المشترى بالقيمة في أحد وجوه التخيير ، لأنّ من قوّم الصيد واشترى بالقيمة هديا فأهداه فقد جزى بمثل ما قتل من النّعم ، على أنّ التخيير الذي في الآية بين أن يجزي بالهدي أو يكفّر بالطعام أو الصوم إنما يستقيم إذا قوّم ونظر بعد التقويم أيّ الثلاثة يختار ، فأما إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وحده من غير تخيير فإذا كان شيئا لا نظير له قوّم حينئذ ، ثم يخيّر بين الطعام والصيام ففيه نبو عما في الآية ألا ترى إلى قوله : (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) أو عدل ذلك صياما ، كيف خير بين الأشياء الثلاثة ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقويم (هَدْياً) حال من الهاء في به ، أي يحكم به في حال الهدي (بالِغَ الْكَعْبَةِ) صفة لهديا لأنّ إضافته غير حقيقية ، ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم ، فأما التصدّق به فحيث شئت ، وعند الشافعي رحمهالله في الحرم (أَوْ كَفَّارَةٌ) معطوف على جزاء (طَعامُ) بدل من كفارة ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هي طعام ، أو كفارة طعام على الإضافة مدني وشامي ، وهذه الإضافة لتبيين المضاف كأنه قيل أو كفارة من طعام (مَساكِينَ) كما تقول خاتم فضة أي خاتم من فضة (أَوْ عَدْلُ) وقرئ بكسر العين ، قال الفراء العدل ما عادل الشيء من غير جنسه كالصوم والإطعام والعدل مثله من جنسه ومنه عدلا الحمل ، يقال عندي غلام عدل غلامك بالكسر إذا كان من جنسه ، فإن أريد أنّ قيمته كقيمته ولم يكن من جنسه قيل هو عدل غلامك بالفتح (ذلِكَ) إشارة إلى الطعام (صِياماً) تمييز نحو لي مثله رجلا ، والخيار في ذلك إلى القاتل ، وعند محمد رحمهالله إلى الحكمين (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) متعلق بقوله فجزاء ، أي فعليه أن يجازي أو يكفّر ليذوق سوء عقاب عاقبة هتكه لحرمة الإحرام ، والوبال : المكروه والضرر الذي ينال في العاقبة من عمل سوء لثقله (١) عليه ، من قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (٢) أي ثقيلا شديدا ، والطعام الوبيل الذي يثقل على المعدة فلا يستمرأ (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) لكم من الصيد قبل التحريم (وَمَنْ عادَ) إلى قتل الصيد بعد التحريم ، أو في ذلك الإحرام (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) بالجزاء ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ينتقم الله منه (وَاللهُ عَزِيزٌ) بإلزام الأحكام (ذُو انْتِقامٍ) لمن جاوز حدود الإسلام.
__________________
(١) في (ظ) و(ز) من عمل سوءا لثقله.
(٢) المزمل ، ٧٣ / ١٦.