(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦)
ونحوه هو (١) على الحقّ وعلى الباطل ، وقد صرّحوا بذلك في قولهم : جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد غارب الهوى. ومعنى هدى (مِنْ رَبِّهِمْ) أي أوتوه من عنده ، ونكّر هدى ليفيد ضربا مبهما لا يبلغ كنهه ، كأنّه قيل على أي هدى ، ونحوه لقد وقعت على لحم أي على (٢) لحم عظيم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الظافرون بما طلبوا ، الناجون عما هربوا ، فالفلاح درك البغية ، والمفلح (٣) الفائز بالبغية ، كأنّه الذي انفتحت له وجوه الظّفر ، والتركيب دال على معنى الشّقّ والفتح ، وكذا أخواته في الفاء والعين ، نحو فلق وفلز وفلى ، وجاء بالعطف (٤) هنا بخلاف قوله : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٥) لاختلاف الخبرين المقتضيين للعطف هنا واتحاد الغفلة والتشبيه بالبهائم ثمة (٦) ، فكانت الثانية مقررة للأولى فهي من العطف بمعزل ، وهم فصل ، وفائدته الدّلالة على أنّ الوارد بعده خبر لا صفة ، والتوكيد ، وإيجاب (٧) أنّ فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره ، أو هو مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر أولئك ، فانظر كيف كرر (٨) الله عزوجل التنبيه على اختصاص المتقين بنيل ما لا يناله أحد على طرق شتّى ، وهي ذكر اسم الإشارة وتكريره ، ففيه تنبيه على أنّهم كما ثبت لهم الأثرة بالهدى فهي ثابتة لهم بالفلاح ، وتعريف المفلحين (٩) ، ففيه دلالة على أنّ المتقين هم النّاس الذين بلغك أنهم يفلحون في الآخرة ، كما إذا بلغك أنّ إنسانا قد تاب من أهل بلدك فاستخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته ، وتوسيط الفصل بينه وبين أولئك ليبصرك مراتبهم ، ويرغّبك في طلب ما طلبوا ، وينشّطك لتقديم ما قدموا. اللهم زيّنا بلباس التقوى واحشرنا في زمرة من صدّرت بذكرهم سورة البقرة.
لما قدّم ذكر أوليائه بصفاتهم المقربة إليه وبيّن أنّ الكتاب هدى لهم قفّى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى بقوله :
٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) الكفر ستر الحقّ بالجحود ، والتركيب دال على السّتر ولذا سمي الذراع (١٠) كافرا ، وكذا الليل ، ولم يأت بالعاطف هنا كما في قوله : (إِنَ
__________________
(١) ليست في (ظ).
(٢) ليس في (ظ) أي على.
(٣) في (ظ) والمنسه ، وهو خطأ من الناسخ.
(٤) في (ظ) بالعاطف ، وفي (ز) العطف.
(٥) الأعراف ، ٧ / ١٧٩.
(٦) في (ز) ثم.
(٧) سقط من (ظ) والتوكيد ، وإيجاب.
(٨) في (ز) قرر.
(٩) في (ز) المفلحون.
(١٠) في (ز) الزراع.