(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥)
أياما معدودات ، ثم إن عطفتهم على الذين (١) يؤمنون بالغيب دخلوا في جملة المتقين ، وإن عطفتهم على المتقين لم يدخلوا ، فكأنّه قيل هدى للمتقين وهدى للذين يؤمنون بما أنزل إليك ، أو المراد به وصف الأولين ، ووسّط العاطف كما يوسّط بين الصّفات في قولك : هو الشجاع والجواد ، وقوله (٢) :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (٣) |
والمعنى أنّهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه. (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يعني القرآن ، والمراد جميع القرآن لا القدر الذي سبق إنزاله وقت إيمانهم ، لأنّ الإيمان بالجميع واجب ، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي وإن كان بعضه مترقّبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد ، ولأنّه إذا كان بعضه نازلا وبعضه منتظر النزول جعل كأنّ كله قد نزل : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني سائر الكتب المنزّلة على النبيين عليهم الصلاة والسلام (٤) (وَبِالْآخِرَةِ) وهي تأنيث الآخر الذي هو ضدّ الأوّل ، وهي صفة والموصوف محذوف وهو الدّار بدليل قوله : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) (٥) وهي من الصفات الغالبة وكذلك الدّنيا ، وعن نافع أنّه خفّفها بأن حذف الهمزة وألقى حركتها على اللام (هُمْ يُوقِنُونَ) الإيقان إتقان العلم بانتفاء الشّكّ والشّبهة عنه.
٥ ـ (أُولئِكَ عَلى هُدىً) الجملة في موضع (٦) الرفع إن كان الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ وإلّا فلا محل لها ، ويجوز أن يجري الموصول الأوّل على المتقين وأن يرتفع الثاني على الابتداء وأولئك خبره ، ويجعل اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا بأهل الكتاب الذين لا يؤمنون بنبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٧) وهم ظانّون أنّهم على الهدى وطامعون أنّهم ينالون الفلاح عند الله ، ومعنى الاستعلاء في على هدى مثل لتمكّنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسّكهم به بحيث شبّهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ،
__________________
(١) في (أ) زاد لا ، وهو خطأ من الناسخ.
(٢) القائل هو شريح بن أوفى العبسي قاتل محمد بن طلحة يوم الجمل.
(٣) في (ظ) إلى الملك الهزبر ، القرم : الفحل المكرم ، والهمام : من أسماء الملوك لعظم همتهم ، والكتيبة : الجيش ، والمزدحم : المعركة لأنها موضع المزاحمة والمدافعة.
(٤) سقطت من (ز).
(٥) القصص ، ٢٨ / ٨٣.
(٦) ليس في (أ) موضع.
(٧) سقطت من (ظ).