(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤)
أمنه التكذيب ، والمخالفة وتعديته بالباء لتضمنه معنى أقرّ واعترف (بِالْغَيْبِ) بما غاب عنهم ممّا أنبأهم به النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (١) من أمر البعث والنشور والحساب وغير ذلك ، فهو بمعنى الغائب تسمية بالمصدر من قولك غاب الشّيء غيبا ، هذا إن جعلته صلة للإيمان ، وإن جعلته حالا كان بمعنى الغيبة والخفاء أي يؤمنون غائبين عن المؤمن به وحقيقته ملتبسين بالغيب (٢) ، والإيمان الصحيح أن يقرّ باللّسان ويصدّق بالجنان ، والعمل ليس بداخل في الإيمان (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يؤدونها ، فعبر عن الأداء بالإقامة ، لأنّ القيام بعض أركانها ، كما عبر عنه بالقنوت وهو القيام (٣) ، وبالركوع والسجود والتسبيح لوجودها فيها ، أو أريد بإقامة الصلاة تعديل أركانها من أقام العود إذا قوّمه ، أو الدوام عليها والمحافظة من قامت السّوق إذا نفقت ، لأنه إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجه إليه الرغبات ، وإذا أضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه ، والصلاة فعلة من صلى ، كالزكاة من زكى ، وكتابتها بالواو على لفظ المفخم ، وحقيقة صلى حرك الصلوين (٤) لأنّ المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده ، وقيل للداعي مصل تشبيها (٥) في تخشعه بالراكع والساجد (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم وما بمعنى الذي (يُنْفِقُونَ) يتصدقون ، أدخل من التبعيضية صيانة لهم عن التبذير المنهي عنه ، وقدم المفعول دلالة على كونه أهم ، والمراد به الزكاة لاقترانه بالصلاة التي هي أختها ، أو هي وغيرها من النّفقات في سبل الخير لمجيئه مطلقا ، وأنفق الشيء وأنفده أخوان كنفق الشيء ونفد وكلّ ما جاء ممّا فاؤه نون وعينه فاء فدال على معنى الخروج والذّهاب ، ودلت الآية على أنّ الأعمال ليست من الإيمان حيث عطف الصّلاة والزّكاة على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة.
٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام (٦) وأضرابه من الذين آمنوا بكل وحي أنزل من عند الله ، وأيقنوا بالآخرة إيقانا زال معه ما كانوا عليه من أنّه لا يدخل الجنّة إلا من كان هودا أو نصارى ، وأنّ النّار لن (٧) تمسّهم إلا
__________________
(١) في (ز) عليهالسلام.
(٢) في (ز) متلبسين بالغيبة.
(٣) سقطت الواو من (ظ).
(٤) زاد في (ز) أي الأليتين.
(٥) زاد في (ز) له.
(٦) عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ، أبو يوسف ، روى عنه ابناه يوسف ومحمد ، شهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس ، توفي عام ٤٣ ه (الأعلام ٤ / ٩٠).
(٧) في (ظ) لم تمسهم ، وهو خطأ من الناسخ.