(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣)
ولا نقص أنقص مما للباطل والشبهة ، وقيل لعالم : فيم لذتك ، قال : في حجة تتبختر اتضاحا وفي شبهة تتضاءل افتضاحا ، ثم أخبر عنه بأنّه هدى للمتقين فقرر بذلك كونه يقينا لا يحوم الشكّ حوله ، وحقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ثم لم تخل كل واحدة من الأربع بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق ، ونظمت هذا النظم الرشيق من نكتة ذات جزالة. ففي الأولى الحذف والرمز إلى المطلوب بألطف وجه. وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة. وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف. وفي الرابعة الحذف ، ووضع المصدر الذي هو هدى موضع الوصف الذي هو هاد ، كأن نفسه هديه (١) ، وإيراده منكّرا ففيه إشعار بأنّه هدى لا يكتنه كنهه ، والإيجاز في ذكر المتقين كما مر.
٣ ـ (الَّذِينَ) في موضع رفع أو نصب على المدح ، أي هم الذين يؤمنون ، أو أعني الذين يؤمنون ، أو هو مبتدأ وخبره أولئك على هدى ، أو جر على أنّه صفة للمتقين ، وهي صفة واردة بيانا وكشفا للمتقين ، كقولك زيد الفقيه المحقق لاشتمالها على ما أسست عليه حال المتقين من الإيمان الذي هو أساس الحسنات ، والصلاة والصدقة فهما أمّا (٢) العبادات البدنية والمالية ، والعباد (٣) على غيرهما ، ألا ترى أن النبي عليهالسلام (سمّى الصلاة عماد الدين) (٤) (وجعل الفاصل بين الإسلام والكفر ترك الصلاة) (٥) (وسمّى الزكاة قنطرة الإسلام) (٦) فكان من شأنهما استتباع سائر العبادات ، ولذلك اختصر الكلام بأن استغنى عن عدّ الطاعات بذكر ما هو كالعنوان لها مع ما في ذلك من الإفصاح عن فضل هاتين العبادتين ، أو صفة مسرودة مع المتقين تفيد غير فائدتها ، كقولك : زيد الفقيه المتكلم الطبيب ، ويكون المراد بالمتقين الذين يجتنبون السيئات.
(يُؤْمِنُونَ) يصدقون وهو إفعال من الأمن ، وقولهم : آمنه أي صدقه ، وحقيقته
__________________
(١) في (ز) هداية.
(٢) سقطت من (ز).
(٣) في (ظ) وفي العباد على غيرها ، وفي (ز) وهما العيار على غيرها.
(٤) أخرجه البيهقي في الشّعب من طريق عكرمة عن عمر رضي الله عنه.
(٥) رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه بلفظ : (بين الرجل وبين الكفر تركه الصلاة).
(٦) رواه إسحاق في مسنده من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.