(لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (١٥)
الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدّق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن ، وهذا من الأدب الحسن الذي قلّ القائم به والحافظ له ، وليتك تجد من يسمع ويسكت ولا يشيّعه بأخوات (١) (وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) كذب ظاهر لا يليق بهما.
١٣ ـ (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) هلّا جاؤوا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) الأربعة (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ) أي في حكمه وشريعته (هُمُ الْكاذِبُونَ) أي القاذفون ، لأن الله تعالى جعل التّفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة وانتفاءها ، والذين رموا عائشة رضي الله عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين.
١٤ ـ (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) لو لا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره بخلاف ما تقدم ، أي ولو لا أني قضيت أن أتفضّل عليكم في الدنيا بضروب النّعم التي من جملتها الإمهال للتوبة ، وأن أترحّم عليكم في الآخرة في العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك ، يقال أفاض في الحديث وخاض واندفع.
١٥ ـ (إِذْ) ظرف لمسّكم أو لأفضتم (تَلَقَّوْنَهُ) يأخذه بعضكم من بعض ، يقال تلقى القول وتلقّنه وتلقّفه (بِأَلْسِنَتِكُمْ) أي أنّ بعضكم كان يقول لبعض هل بلغك حديث عائشة؟ حتى شاع فيما بينهم وانتشر ، فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) إنما قيّده بالأفواه مع أنّ القول لا يكون إلّا بالفم لأنّ الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ثم يترجم عنه اللسان ، وهذا الإفك ليس إلّا قولا يدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب ، كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (٢) (وَتَحْسَبُونَهُ) أي خوضكم في عائشة رضي الله عنها (هَيِّناً) صغيرة (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) كبيرة. وجزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك ، فقال : أخاف ذنبا لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم.
__________________
(١) في (ز) فيسكت ولا يشيع ما سمعه بإخوانه.
(٢) آل عمران ، ٣ / ١٦٧.