لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) (١٢)
(تَحْسَبُوهُ) أي الإفك (شَرًّا لَكُمْ) عند الله (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأنّ الله أثابكم عليه ، وأنزل في البراءة منه ثماني عشرة آية ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) أي على كلّ امرىء من العصبة جزاء إثمه على مقدار خوضه فيه ، وكان بعضهم ضحك ، وبعضهم تكلّم فيه ، وبعضهم سكت (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) أي عظمه عبد الله بن أبيّ (مِنْهُمْ) أي من العصبة (لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي جهنم ، يحكى أنّ صفوان مرّ بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه؟ فقالوا : عائشة فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها ، ثم وبّخ الخائضين فقال :
١٢ ـ (لَوْ لا) هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) أي الإفك (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) بالذين منهم ، فالمؤمنون كنفس واحدة ، وهو كقوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) (خَيْراً) عفافا وصلاحا ، وذلك نحو ما يروى أنّ عمر رضي الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام : أنا قاطع بكذب المنافقين لأنّ الله عصمك من وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع على النجاسات فيتلطخ بها ، فلما عصمك الله من ذلك القدر من القذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة؟ وقال عثمان رضي الله عنه أيضا (٢) : إن الله ما أوقع ظلّك على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظلّ فلمّا لم يمكّن أحدا من وضع القدم على ظلّك كيف يمكّن أحدا من تلويث عرض زوجتك؟ وكذا قال علي رضي الله عنه : إن جبريل أخبرك أنّ على نعلك قذرا وأمرك بإخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك بإخراجها؟ بتقدير أن تكون متلطخة بشيء من الفواحش ، وروي أنّ أبا أيوب (٣) الأنصاري قال لامرأته : ألا ترين ما يقال؟ فقالت : لو كنت بدل صفوان أكنت تظنّ بحرم رسول الله سوء؟ فقال : لا ، قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله ، فعائشة خير مني وصفوان خير منك.
وإنّما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات ، وليدلّ التصريح بلفظ الإيمان على أنّ
__________________
(١) الحجرات ، ٤٩ / ١١.
(٢) ليس في (ز) رضي الله عنه أيضا.
(٣) أبو أيوب الأنصاري : خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة ، من بني النجار ، صحابي شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد ، كان محبا للجهاد والغزو توفي عام ٥٢ ه (الأعلام ٢ / ٢٩٥).