(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١)
١١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وأصله الأفك وهو القلب ، لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله عنها ، قالت عائشة : فقدت عقدا في غزوة بني المصطلق (١) ، فتخلفت ، ولم يعرف خلوّ الهودج لخفتي ، فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل (٢) بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا ، فهلك فيّ من هلك ، فاعتللت شهرا ، وكان عليه الصلاة والسلام يسأل (كيف أنت) ولا أرى منه لطفا كنت أراه ، حتى عثرت خالة أبي أمّ مسطح (٣) ، فقالت : تعس مسطح ، فأنكرت عليها فأخبرتني بالإفك ، فلما سمعت ازددت مرضا وبتّ عند أبويّ لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم ، وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : (ابشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك) فقلت : بحمد الله لا بحمدك (٤) (عُصْبَةٌ) جماعة من العشرة إلى الأربعين ، واعصوصبوا اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق وزيد بن رفاعة (٥) وحسان بن ثابت (٦) ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش (٧) ومن ساعدهم (مِنْكُمْ) من جماعة المسلمين ، وهم ظنوا أنّ الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين (لا
__________________
(١) غزوة بني المصطلق : قيل وقعت في شعبان سنة ست عند ابن إسحاق وفي سنة أربع عند موسى بن عقبة وفي شعبان سنة خمس عند ابن سعد ، والمصطلق لقب جذيمة بن سعد بن عمرو سمي لحسن صوته وكان أول من غنى من خزاعة وقيل هو جزيمة بن كعب من خزاعة وقيل خزيمة بن سعد بن عمرو وسعد هو المصطلق (الأنساب ـ ٥ / ٣١٢ ـ عيون الأثر ٢ / ١٣٣ ـ القاموس ٣ / ٢٥٤).
(٢) صفان بن المعطل السلمي ثم الذكواني كان على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع ، قتل شهيدا في خلافة معاوية (عيون الأثر ٢ / ١٢٩ و ١٣٣).
(٣) أم مسطح ابنة أبي رهم بن عبد مناف أمها بنت صخر بن عامر ، خالة أبي بكر الصديق ، ومسطح لقب عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، شهد بدرا (عيون الأثر ٢ / ١٢٨ ـ ١٣٥).
(٤) حديث الإفك رواه الشيخان وغيرهما.
(٥) زيد بن رفاعة بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري الأوسي ، صحابي ، عم قتادة بن النعمان (الأعلام ٥ / ١٨٩ ـ ترجمة قتادة).
(٦) حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري ، أبو الوليد ، صحابي ، شاعر النبي عليهالسلام ولد نحو ٣٤ ق. ه وتوفي ٥٤ ه (الأعلام ٢ / ١٧٥).
(٧) حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب ، كانت من المبايعات وشهدت أحدا فكانت تسقي العطشى وتحمل الجرحى وتداويهم (أسد الغابة ٥ / ٤٢٨).