الحطّ ، سأل صبيح (١) مولاه حويطبا (٢) أن يكاتبه فأبى فنزلت.
واعلم أنّ العبيد أربعة : قنّ مقتنى للخدمة ، ومأذون في التجارة ، ومكاتب ، وآبق.
فمثال الأول : وليّ العزلة الذي حصل العزلة بإيثار الخلوة وترك العشرة.
والثاني : وليّ العشرة فهو نجيّ الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر إليهم بالعبرة ويأمرهم بالغيرة فهو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحكم بحكم الله ويأخذ لله ويعطي في الله ويفهم عن الله ويتكلم مع الله ، فالدنيا سوق تجارته والعقل رأس بضاعته والعدل في الغضب والرضا ميزانه ، والقصد في الفقر والغنى عنوانه والعلم (٣) مفزعه ومنجاه ، والقرآن كتاب الإذن من مولاه ، هو كائن في الناس بظواهره ، بائن منهم بسرائره ، فقد هجرهم فيما له عليهم في الله باطنا ، ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهرا :
وما هو منهمو بالعيش فيهم |
|
ولكن معدن الذهب الرغام (٤) |
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون وما يدريهم أنه ضيف الله يرى السماوات والأرض قائمات بأمره وكأنه قيل فيه :
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
|
فإنّ المسك بعض دم الغزال (٥) |
فحال وليّ العزلة أصفى وأحلى ، وحال وليّ العشرة أوفى وأعلى ، ونزّل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان ، أما النبيّ عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشّذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين فباطن أحواله مهتدى وليّ العزلة ، وظاهر أعماله مقتدى ولي العشرة.
والثالث : المجاهد المحاسب العامل ، المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب (٦) في اليوم والليلة خمس (٧) ، وفي المائتين (٨) خمسة ، وفي السنة شهر ، وفي العمر زورة ، فكأنه اشترى نفسه من ربّه بهذه النجوم المرتبة ، فيسعى في فكاك رقبته خوفا من البقاء في ربقة العبودية ، وطمعا في شحنة الحرية (٩) ليسرح في رياض الجنة فيتمتع
__________________
(١) صبيح مولى حويطب بن عبد العزى ، قال ابن السكن وابن حبان ، يقال له صحبة (الإصابة ٣ / ٢٣٥).
(٢) حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود من بني عامر بن لؤي ، صحابي قرشي ، من المعمرين أسلم يوم فتح مكة ، انتقل إلى المدينة ومات بها عام ٥٤ ه (الأعلام ٢ / ٢٨٩).
(٣) في (ز) والعز.
(٤) لم أصل إليه.
(٥) لم أصل إليه.
(٦) زاد في (ز) عليه.
(٧) زاد في (ظ) من الصلوات.
(٨) في (ز) وفي المائتي درهم.
(٩) في (ز) في فتح باب الحرية.