روّيت ذبالته (١) بزيتها (مُبارَكَةٍ) كثيرة المنافع ، أو لأنها نبتت في الأرض التي بورك فيها للعالمين ، وقيل بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليهالسلام (زَيْتُونَةٍ) بدل من شجرة نعتها (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي منبتها الشام ، يعني ليست من المشرق ولا من المغرب بل في الوسط منهما وهو الشام ، وأجود الزيتون زيتون الشام ، وقيل ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل يصيبها بالغداة والعشي جميعا فهي شرقية وغربية (يَكادُ زَيْتُها) دهنها (يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) وصف الزيت بالصفاء والوميض ، وأنه لتلألئه يكاد يضيء من غير نار (نُورٌ عَلى نُورٍ) أي هذا النور الذي شبّه به الحقّ نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق بقية مما يقوّي النور ، وهذا لأنّ المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فإنّ الضوء ينتشر فيه ، والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة ، وكذلك الزيت وصفاؤه ، وضرب المثل يكون بدنيء محسوس معهود لعليّ (٢) غير معاين ولا مشهود ، فأبو تمام (٣) لما قال في المأمون (٤) :
إقدام عمرو في سماحة حاتم |
|
في حلم أحنف في ذكاء إلياس |
قيل له إنّ الخليفة فوق من مثّلته بهم فقال مرتجلا :
لا تنكروا ضربي له من دونه |
|
مثلا شرودا في النّداء (٥) ، والباس |
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره |
|
مثلا من المشكاة والنبراس |
(يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ) أي لهذا النور الثاقب (مَنْ يَشاءُ) من عباده ، أي يوفّق لإصابة الحقّ من يشاء من عباده بإلهام من الله أو بنظره في الدليل (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) تقريبا إلى أفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيبيّن كلّ شيء بما يمكن أن يعلم به ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : مثل نوره أي نور الله الذي هدى به المؤمن ، وقرأ ابن مسعود رحمهالله مثل نوره في قلب المؤمن
__________________
(١) ذبالة وذبّالة : الفتيلة. (القاموس ٣ / ٣٧٨).
(٢) في (ز) لا يعلي.
(٣) أبو تمام : حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، الشاعر الأديب أحد أمراء البيان ، ولد في حوران عام ١٨٨ ه وتوفي في الموصل عام ٢٣١ ه (الأعلام ٢ / ١٦٥).
(٤) المأمون : سبق ترجمته في ١٩ / ٨٤.
(٥) في (ظ) و (ز) الندى.