(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠)
التي يحسبها تنفعه عند الله وتنجّيه من عذابه ، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدّر ، بسراب يراه الكافر بالساهرة (١) ، وقد غلبه عطش يوم القيامة ، فيحسبه ماء ، فيأتيه فلا يجد ما رجاه ، ويجد زبانية الله عنده ، يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم ، فيسقونه الحميم والغسّاق ، وهم الذين قال الله فيهم : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) (٢) (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٣) قيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية (٤) كان يترهب ملتمسا للدين في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام كفر.
٤٠ ـ (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ) أو هنا كأو في (أَوْ كَصَيِّبٍ) (٥) (لُجِّيٍ) عميق كثير الماء ، منسوب إلى اللجّ ، وهو معظم ماء البحر (يَغْشاهُ) يغشى البحر ، أو من فيها (٦) أي يعلوه ويغطيه (مَوْجٌ) هو ما ارتفع من الماء (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي من فوق الموج موج آخر (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) من فوق الموج الأعلى سحاب (ظُلُماتٌ) أي هذه ظلمات ، ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ظلمة الموج على ظلمة البحر وظلمة الموج على الموج وظلمة السحاب على الموج (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) أي الواقع فيه (لَمْ يَكَدْ يَراها) مبالغة في لم يرها ، أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها ، شبّه أعمالهم أولا في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئا ، ولم يكفه خيبة (٧) كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتّله إلى النار ، وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة ، وفي خلوّها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لجّ البحر والأمواج والسحاب (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) من لم يهد (٨) الله لم يهتد عن الزّجّاج ، في الحديث : (خلق الله الخلق في ظلمة ثم رشّ عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلّ) (٩).
__________________
(١) الساهرة : وجه الأرض.
(٢) الغاشية ، ٨٨ / ٣.
(٣) الكهف ، ١٨ / ١٠٤.
(٤) عتبة بن ربيعة بن أمية كبير من قريش وأحد ساداتها في الجاهلية ، انقضت حرب الفجار على يده ، أدرك الإسلام وطغى ، شهد بدرا وقتل فيها عام ٢ ه (الأعلام ٤ / ٢٠٠).
(٥) البقرة ، ٢ / ١٩.
(٦) في (ز) فيه.
(٧) زاد في (ز) وكمدا أن لم يجد شيئا.
(٨) في (ظ) و (ز) يهده.
(٩) البيهقي ، كنز العمال ١ / ٥٨٤ و ١٣١٤.