لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣)
(وَرَسُولِهِ) وضمنه شيئا آخر ، وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين ، وعرض بحال المنافقين وتسللهم لواذا (١) (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ) في الانصراف (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) أمرهم (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) فيه رفع شأنه عليه الصلاة والسلام (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أنّ الأفضل أن لا يستأذنوه (٢) ، قالوا : وينبغي أن يكون الناس كذلك مع أئمتهم ومقدّميهم في الدين والعلم ، يظاهرونهم ولا يتفرقون عنهم إلا بإذن ، قيل نزلت يوم الخندق ، كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان.
٦٣ ـ (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) أي إذا احتاج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تتفرّقوا (٣) عنه إلا بإذنه ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا ، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي ، أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه ، فلا تقولوا يا محمد ، ولكن يا نبيّ الله ، يا رسول الله ، مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ) يخرجون قليلا قليلا (مِنْكُمْ لِواذاً) حال ، أي ملاوذين ، اللّواذ والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا ، أي ينسلّون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار (٤) بعضهم ببعض (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي الذين يصدّون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون. يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ، ومنه : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) (٥) وخالفه عن الأمر إذا صدّ عنه دونه ، والضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام ، والمعنى عن طاعته ودينه ، ومفعول يحذر (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) محنة في الدنيا ، أو زلازل وأهوال ، أو تسليط سلطان جائر ، أو قسوة القلب عن معرفة الربّ ، أو إسباغ النّعم استدراجا (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في
__________________
(١) لواذا أي لاذ بعضهم ببعض.
(٢) في (ز) يستأذن.
(٣) في (ز) تفرقوا.
(٤) في (ز) واستثار.
(٥) هود ، ١١ / ٨٨.