(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١)
٢٠ ـ (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) كسرت إنّ لأجل اللام في الخبر ، والجملة بعد إلّا صفة لموصوف محذوف ، والمعنى وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلّا آكلين وماشين ، وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور ، أي من المرسلين ، ونحوه : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١) أي وما منّا أحد ، قيل هو احتجاج على من قال : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) وتسلية للنبيّ عليه الصلاة والسلام (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي محنة وابتلاء وهذا تصبير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما عيّروه به من الفقر ومشيه في الأسواق ، يعني أنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء ، فيغني من يشاء ويفقر من يشاء (أَتَصْبِرُونَ) على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبرون فيزداد غمّكم ، وحكي أنّ بعض الصالحين تبرّم بضنك عيشه ، فخرج ضجرا ، فرأى خصيّا في مواكب ومراكب ، فخطر بباله شيء ، فإذا بمن يقرأ هذه الآية ، فقال : بل فصبرا ربنا. أو جعلتك فتنة لهم لأنّك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك الدنيا ، أو ممزوجة بالدنيا ، فإنما بعثناك فقيرا لتكون طاعة من يطيعك خالصة لنا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) عالما بالصواب فيما يبتلي به أو بمن يصبر (٢) ويجزع.
٢١ ـ (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ) لا يأملون (لِقاءَنا) بالخير لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث ، أو لا يخافون عقابنا ، إما لأنّ الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف ، أو لأنّ الرجاء في لغة تهامة الخوف (لَوْ لا) هلّا (أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) رسلا دون البشر ، أو شهودا على نبوّته ودعوى رسالته (أَوْ نَرى رَبَّنا) جهرة فيخبرنا برسالته واتّباعه (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أي أضمروا الاستكبار عن الحقّ ، وهو الكفر والعناد في قلوبهم (وَعَتَوْا) وتجاوزوا الحد في الظلم (عُتُوًّا كَبِيراً) وصف العتوّ بالكبير (٣) فبالغ في
__________________
(١) الصافات ، ٣٧ / ١٦٤.
(٢) إلى هنا ينتهي الارتباك في (أ) ويستقيم ترقيم الصفحات.
(٣) في (ز) الكبر.