(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩)
الثاني بل في الأول تقول ما اتخذت من أحد وليا ، ولا تقول ما اتخذت أحدا من ولي (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) بالأموال والأولاد وطول العمر والسلامة من العذاب (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أي ذكر الله والإيمان به والقرآن والشرائع (وَكانُوا) عند الله (قَوْماً بُوراً) أي هلكى ، جمع بائر كعائذ وعوّذ ، ثم يقال للكفّار بطريق الخطاب عدولا عن الغيبة.
١٩ ـ (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة ، وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ، ونظيرها : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) إلى قوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) (١) وقول القائل (٢) :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
(بِما تَقُولُونَ) بقولكم فيهم إنهم آلهة والباء على هذا كقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) (٣) والجار والمجرور بدل من الضمير ، كأنه قيل فقد كذّبوا بما تقولون ، وعن قنبل بالياء ، ومعناه فقد كذبوكم بقولهم : سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء. والباء على هذا كقولك كتبت بالقلم (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) (٤) أي فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم. وبالتاء حفص ، أي فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم ، ثم خاطب المكلّفين على العموم بقوله (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أي يشرك لأنّ الظّلم وضع الشيء في غير موضعه ، ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٥) (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) فسّر بالخلود في النار ، وهو يليق بالمشرك دون الفاسق إلّا على قول المعتزلة والخوارج.
__________________
(١) المائدة ، ٥ / ١٩.
(٢) لم أصل إلى معرفته.
(٣) ق ، ٥٠ / ٥.
(٤) في مصحف النسفي : يستطيعون بالياء وهي قراءة.
(٥) لقمان ، ٣١ / ١٣.