(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨)
١٧ ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) (١) للبعث عند الجمهور ، وبالياء مكي ويزيد ويعقوب وحفص (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يريد المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير ، وعن الكلبي : يعني الأصنام ينطقها الله ، وقيل عامّ ، وما يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبوديهم (فَيَقُولُ) وبالنون شامي (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) والقياس ضلّوا عن السبيل ، إلا أنهم تركوا الجارّ كما تركوه في هداه الطريق والأصل إلى الطريق أو للطريق ، وضلّ مطاوع أضلّه ، والمعنى أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحقّ بإدخال الشّبه أم هم ضلّوا عنه بأنفسهم ، وإنما لم يقل أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل ، وزيد أنتم وهم لأنّ السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لو لا وجوده لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متولّيه ، فلا بدّ من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسؤول عنه ، وفائدة سؤالهم مع علمه تعالى بالمسؤول عنه أن يجيبوا بما أجابوا به حتى يبكّت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فتزيد حسرتهم.
١٨ ـ (قالُوا سُبْحانَكَ) تعجّب منهم مما قيل لهم ، وقصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له نبي أو ملك أو غيرهما ندا ، ثم قالوا (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) أي ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم أن نتولى أحدا دونك ، فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك؟ نتخذ يزيد ، واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد نحو اتخذ وليا ، وإلى مفعولين نحو اتخذ فلانا وليا ، قال الله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) (٢) وقال : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (٣) فالقراءة الأولى من المتعدي لواحد وهو من أولياء ، والأصل أن تتخذ أولياء وزيدت من لتأكيد معنى النفي ، والقراءة الثانية من المتعدي إلى المفعولين ، فالمفعول الأول ما بني له الفعل ، والثاني من أولياء ، ومن للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء لأنّ من لا تزاد في المفعول
__________________
(١) في مصحف النسفي : نحشرهم وهي قراءة.
(٢) الأنبياء ، ٢١ / ٢١.
(٣) النساء ، ٤ / ١٢٥.