(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) (٣١)
وهي هلكته يقول لها : تعالي فهذا أوانك ، وإنما قلبت الياء ألفا كما في صحارى ومدارى (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) فلان كناية عن الأعلام ، فإن أريد بالظالم عقبة لما روي أنه اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ، ففعل ، فقال له أبيّ بن خلف (١) وهو خليله : وجهي من وجهك حرام إلا أن ترجع ، فارتد ، فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبيا خليلا فكنى عن اسمه ، وإن أريد به الجنس فكلّ من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم لا محالة ، فجعل كناية عنه ، وقيل هو كناية عن الشيطان.
٢٩ ـ (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أي عن ذكر الله ، أو القرآن ، أو الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) من الله (وَكانَ الشَّيْطانُ) أي خليله سماه شيطانا لأنه أضلّه كما يضلّه الشيطان ، أو إبليس لأنه الذي حمله على مخالّة المضلّ ومخالفة الرسول (لِلْإِنْسانِ) المطيع له (خَذُولاً) هو مبالغة من الخذلان ، أي من عادة الشيطان ترك من يواليه ، وهذا حكاية كلام الله ، أو كلام الظالم.
٣٠ ـ (وَقالَ الرَّسُولُ) أي محمد عليه الصلاة والسلام في الدنيا (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) قريشا (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) متروكا ، أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران ، وهو مفعول ثان لاتخذوا ، في هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأنّ الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حلّ بهم العذاب ولم ينظروا.
ثم أقبل عليه مسليا ووعده النصرة عليهم ، فقال :
٣١ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي كذلك كان كلّ نبيّ قبلك مبتلى بعداوة قومه ، وكفاك بي هاديا إلى طريق قهرهم والانتصار منهم ، وناصرا لك عليهم ، والعدو يجوز أن يكون واحدا وجمعا ، والباء زائدة ، أي وكفى ربّك هاديا وهو تمييز.
__________________
(١) أبي بن خلف من زعماء قريش الذين بالغوا في العداء للمسلمين وتهدد النبي عليهالسلام إلى أن كانت غزوة أحد فقتله النبي عليهالسلام بيده (عيون الأثر ٢ / ٢٢).