(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣)
٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي قريش أو اليهود (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً) حال من القرآن ، أي مجتمعا (واحِدَةً) يعني هلّا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة ، وما له أنزل على التفاريق ، وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته ، لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرّقا (١) ، ونزّل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعا بدليل جملة واحدة ، وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدّوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور ، فأبرزوا صفحة (٢) عجزهم حتى لاذوا بالمناصبة ، وفزعوا إلى المحاربة ، وبذلوا المهج ، وما مالوا إلى الحجج (كَذلِكَ) جواب لهم ، أي كذلك أنزل مفرقا في عشرين سنة ، أو في ثلاث وعشرين ، وذلك في كذلك إشارة إلى مدلول قوله لو لا نزّل عليه القرآن جملة ، لأنّ معناه لم نزّل (٣) عليك القرآن مفرقا فأعلم أنّ ذلك (لِنُثَبِّتَ بِهِ) لنقوي (٤) بتفريقه (فُؤادَكَ) حتى تعيه وتحفظه ، لأن المتلقّن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء ، وجزأ عقيب جزء ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه ، أو لنثبت به (٥) فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول ، وتتابع الرسول ، لأن قلب المحبّ يسكن بتواصل كتب المحبوب (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك ، كأنه قال كذلك فرقناه ورتلناه ، أي قدرناه آية بعد آية ووقفة بعد وقفة ، أو أمرناكم (٦) بترتيل قراءته وذلك قوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٧) أي اقرأه بترسل وتثبّت ، أو بيناه تبيينا ، والترتيل التبيين في ترسّل وتثبت.
٣٣ ـ (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة ، كأنه مثل في البطلان (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) إلا أتيناك بالجواب الحقّ الذي لا محيد عنه (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) وبما هو أحسن معنى ومؤدّى من مثلهم ، أي من سؤالهم ، وإنما حذف من مثلهم لأنّ في الكلام دليلا عليه ، كما لو قلت رأيت زيدا وعمرا وكان (٨) عمرو أحسن
__________________
(١) في (ز) متفرقا.
(٢) صفحة عجزهم : أي جانب عجزهم.
(٣) في (ز) أنزل.
(٤) في (ظ) : (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وليس في (ز) لنقوي.
(٥) ليس في (أ) به.
(٦) في (ظ) و (ز) أمرنا.
(٧) المزمل ، ٧٣ / ٤.
(٨) في (ز) وإن.