(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (٣٦)
وجها ، كان فيه دليل على أنك تريد من زيد ، ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدلّ عليه الكلام وضع موضع معناه ، فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت ، كما قيل معناه كذا وكذا ، أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلّا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحقّ لك في حكمتنا أن تعطاه ، وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ، ودلالة على صحته ، يعني أنّ تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلّما نزل شيء منها أدخل في الإعجاز من أن ينزّل كلّه جملة.
٣٤ ـ (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ) الذين مبتدأ ، وأولئك مبتدأ ثان ، وشرّ خبر أولئك ، وأولئك مع شرّ خبر الذين ، أو التقدير هم الذين ، أو أعني الذين ، وأولئك مستأنف (مَكاناً) أي مكانة ومنزلة ، أو مسكنا ومنزلا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي وأخطأ طريقا ، وهو من الإسناد المجازي ، والمعنى : إنّ حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلّون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته ، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أنّ مكانكم شرّ من مكانه وسبيلكم أضلّ من سبيله ، وفي طريقته قوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (١) الآية وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم) قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (الذي أمشاكم على أقدامكم يمشيهم على وجوههم) (٢).
٣٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة كما آتيناك القرآن (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ) بدل أو عطف بيان (وَزِيراً) هو في اللغة من يرجع إليه ، من الوزر وهو الملجأ ، والوزارة لا تنافي النبوة ، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضا.
٣٦ ـ (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي فرعون وقومه ، وتقديره فذهبا إليهم وأنذرا فكذبوهما (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) التدمير الإهلاك بأمر
__________________
(١) المائدة ، ٥ / ٦٠.
(٢) البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا.