(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣)
يعرفون عدد المطر ومقداره في كلّ عام لأنه لا يختلف ، ولكن يختلف فيه البلاد ، وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله تعالى كفر وإن رأى أنّ الله تعالى خالقها ، وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر.
٥١ ـ ٥٢ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً. فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي لو شئنا لخفّفنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كلّ قرية نبيا ينذرها ، ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين ، فقصرنا الأمر عليك وعظّمناك به ، فتكون وحدك ككلّهم ، ولذا خوطب بالجمع : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) (١) فقابل ذلك بالشكر (٢) والتشدد والتصبر ولا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم ، وكما آثرتك على جميع الأنبياء فآثر رضاي على جميع الأهواء ، وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) أي بالله ، يعني بعونه وتوفيقه ، أو بالقرآن أي جادلهم به وقرّعهم بالعجز عنه (جِهاداً كَبِيراً) عظيما موقعه عند الله لما يحتمل فيه من المشاق ، ويجوز أن يرجع الضمير في به إلى ما دلّ عليه ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا من كونه نذير كافة القرى ، لأنه لو بعث في كلّ قرية نذيرا لوجب على كلّ نذير مجاهدة قريته ، فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم ، فقال له وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكلّ مجاهدة.
٥٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) خلّاهما متجاورين متلاصقين ، تقول مرجت الدابة إذا خلّيتها ترعى ، وسمّى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين (هذا) أي أحدهما (عَذْبٌ فُراتٌ) صفة لعذب ، أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) صفة لملح ، أي شديد الملوحة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حائلا من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج ، فهما في الظاهر مختلطان ، وفي الحقيقة منفصلان (وَحِجْراً
__________________
(١) المؤمنون ، ٢٣ / ٥١.
(٢) في (ظ) بالشكر والتشدد والصبر ، وفي (ز) بالشكر والصبر والتشدد.