(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (٧٥)
بالقرآن (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) هذا ليس بنفي الخرور بل هو إثبات له ، ونفي الصمم والعمى ، ونحوه لا يلقاني زيد مسلما هو نفي للسلام لا للقاء ، يعني أنهم إذا ذكّروا بها خرّوا سجّدا وبكيّا ، سامعين بآذان واعية ، مبصرين بعيون راعية (١) لما أمروا به ونهوا عنه ، لا كالمنافقين وأشباههم ، دليله قوله تعالى : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (٢).
٧٤ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا) من للبيان ، كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم بيّنت القرّة وفسّرت بقوله من أزواجنا (وَذُرِّيَّاتِنا) ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين ، وهو من قولهم رأيت منك أسدا ، أي أنت أسد ، أو للابتداء على معنى هب لنا من جهتهم ما تقرّ به عيوننا من طاعة وصلاح ، وذريتنا أبو عمرو وكوفي غير حفص لإرادة الجنس ، وغيرهم ذرياتنا (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وإنما نكّر لأجل تنكير القرة لأنّ المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه ، كأنه قال : هب لنا منهم سرورا وفرحا ، وإنما قيل أعين على القلة دون عيون لأنّ المراد أعين المتقين ، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم ، قال الله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣) ويجوز أن يقال في تنكير أعين إنها أعين خاصة ، وهي أعين المتقين ، والمعنى أنهم سألوا ربّهم أن يرزقهم أزواجا وأعقابا عمّالا لله تعالى يسرّون بمكانهم وتقرّ بهم عيونهم ، وقيل ليس شيء أقرّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله تعالى ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) أي أئمة يقتدون بنا في الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس ، أو واجعل كلّ واحد منا إماما. قيل في الآية ما يدلّ على أنّ الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها.
٧٥ ـ (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) أي الغرفات ، وهي العلالي في الجنة فوحّد اقتصارا على الواحد الدالّ على الجنس ، دليله قوله : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٤) (بِما صَبَرُوا) أي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات ، وعلى أذى
__________________
(١) في (ظ) و (ز) واعية.
(٢) مريم ، ١٩ / ٥٨.
(٣) سبأ ، ٣٤ / ١٣.
(٤) سبأ ، ٣٤ / ٣٧.