(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨)
أي وما بين الجنسين (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل ، فكفى خلق هذه الأشياء دليلا ، أو إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع ، والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن.
٢٥ ـ (قالَ) أي فرعون (لِمَنْ حَوْلَهُ) من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور ، وكانت للملوك خاصة (أَلا تَسْتَمِعُونَ) معجبا قومه من جوابه ، لأنهم يزعمون قدمهما ، وينكرون أنّ لهما ربّا ، فاحتاج (١) إلى أن يستدلّ بما شاهدوا حدوثه وفناءه ، فاستدل حيث :
٢٦ ـ (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي هو خالقكم وخالق آبائكم ، فإن لم تستدلّوا بغيركم فبأنفسكم ، وإنما قال ربّ آبائكم لأنّ فرعون كان يدّعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدّمهم.
٢٧ ـ (قالَ) أي فرعون (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) حيث يزعم أنّ في الوجود إلها غيري ، وكان فرعون ينكر إلهية غيره.
٢٨ ـ (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) فتستدلون بما أقول فتعرفون ربّكم ، وهذا غاية الإرشاد حيث عمّ (٢) أولا بخلق السماوات والأرض وما بينهما ، ثم خصّص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم ، لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه ، وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ، ثم خصّص المشرق والمغرب لأنّ طلوع الشّمس من أحد الخافقين ، وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة ، وحساب مستو من أظهر ما استدلّ به ، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالإحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان ، وقيل سأله فرعون عن الماهية جاهلا عن حقيقة سؤاله ، فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أنّ موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه ، فقال معجّبا لهم من جواب موسى ألا تستمعون ، فعاد
__________________
(١) في (ظ) و (ز) وينكرون حدوثهما وأن لهما ربا فاحتاج موسى.
(٢) في (ز) عمم.