فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤)
(فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (١) فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالّين موضع الكافرين ، وإذا جواب وجزاء (٢) ، وهذا الكلام وقع جوابا لفرعون وجزاء له ، لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه أنك جازيت نعمتي بما فعلت ، فقال له موسى نعم فعلتها مجازيا لك تسليما لقوله ، لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
٢١ ـ (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) إلى مدين (لَمَّا خِفْتُكُمْ) أن تقتلوني ، وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) (٣) الآية (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) نبوة وعلما ، فزال عني الجهل والضلالة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) من جملة رسله.
٢٢ ـ (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كرّ على امتنانه عليه بالتربية ، فأبطله من أصله وأبى أن تسمّى نعمته إلّا نقمة (٤) ، حيث بيّن أنّ حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ، ولو تركهم لرباه أبواه ، فكأن فرعون امتنّ على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حقّقت ، وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدا ، ووحّد الضمير في تمنّها وعبّدت وجمع في منكم وخفتكم ، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله بدليل قوله : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) وأما الامتنان فمنه وحده ، وكذا التعبيد ، وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها ، ومحل أن عبّدت الرفع عطف بيان لتلك ، أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنّها علي.
٢٣ ـ (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) أي إنك تدّعي أنّك رسول ربّ العالمين فما صفته؟ لأنّك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول ما زيد؟ تعني أطويل أم قصير أم طبيب؟ نص عليه صاحب الكشاف وغيره.
٢٤ ـ (قالَ) موسى مجيبا له على وفق سؤاله (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا)
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ٢٨٢.
(٢) في (ظ) و (ز) جواب وجزاء معا.
(٣) القصص ، ٢٨ / ٢٠.
(٤) في (ز) أن تسمى نعمة لأنها نقمة.