(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (٩٣)
مريض لقوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (١) أي إن المال إذا صرف في وجوه البرّ وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب ، أو جعل المال والبنون في معنى الغنى ، كأنه قيل يوم لا ينفع غنى إلّا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأنّ غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أنّ غناه في دنياه بماله وبنيه ، وقد جعل من مفعولا لينفع ، أي لا ينفع مال ولا بنون إلّا رجلا سلم قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله ، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلّمهم الشرائع ، ويجوز على هذا إلّا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين ، وقد صوّب الجليل استثناء الخليل إكراما له ، ثم جعله صفة له في قوله : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ. إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٢) وما أحسن ما رتّب عليهالسلام كلامه مع المشركين حيث سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرّر لا مستفهم ، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضرّ ولا تنفع ولا تسمع ، وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين ، فأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة ، ثم صوّر المسألة في نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى ، فعظّم شأنه وعدد نعمته ، من حين إنشائه إلى وقت وفاته ، مع ما يرجى في الآخرة من رحمته ، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين ، وابتهل إليه ابتهال الأوّلين (٣) ثم وصله بذكر يوم القيامة ، وثواب الله وعقابه ، وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرّة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.
٩٠ ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي قرّبت ، عطف جملة على جملة ، أي تزلف من موقف السعداء فينظرون إليها.
٩١ ـ (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها (لِلْغاوِينَ) للكافرين.
٩٣ ـ ٩٢ ـ (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) يوبخون على إشراكهم فيقال لهم أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم؟ أو هل
__________________
(١) البقرة ، ٢ / ١٠. المائدة ، ٥ / ٥٢. الأنفال ، ٨ / ٤٩. التوبة ، ٩ / ١٢٥. الأحزاب ٣٣ / ١٢ و ٦٠. محمد ، ٤٧ / ٢٠ و ٢٩. المدثر ، ٧٤ / ٣١.
(٢) الصافات ، ٣٧ / ٨٣ ـ ٨٤.
(٣) في (ظ) و (ز) الأوّابين.