(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢)
إلهاما (أَنَا آتِيكَ بِهِ) بالعرش وآتيك في الموضعين يجوز أن يكون فعلا أو اسم فاعل ، ومعنى قوله (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أنك ترسل طرفك إلى شيء ، فقبل أن تردّه أبصرت العرش بين يديك ، ويروى أنّ آصف قال لسليمان عليهالسلام : مدّ عينيك حتى ينتهي طرفك فمدّ عينيه ، فنظر نحو اليمن فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتدّ طرفه (فَلَمَّا رَآهُ) أي العرش (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) ثابتا لديه غير مضطرب (قالَ هذا) أي حصول مرادي ، وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف (مِنْ فَضْلِ رَبِّي) عليّ وإحسانه إليّ بلا استحقاق مني ، بل هو فضل خال من العوض صاف عن الغرض (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) ليمتحنني أأشكر إنعامه (أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنه يحطّ به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة ، فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة ، وفي كلام بعضهم : إنّ كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها ، فاستدع شاردها بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار. واعلم أنّ سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقارا ، أي لم تشكر لله نعمة (وَمَنْ كَفَرَ) بترك الشكر على النعمة (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن الشكر (كَرِيمٌ) بالإنعام على من يكفر نعمته ، قال الواسطي : ما كان منّا من الشكر فهو لنا ، وما كان منه من النعمة فهو إلينا ، وله المنّة والفضل علينا.
٤١ ـ (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) غيّروا أي اجعلوا مقدّمه مؤخّره وأعلاه أسفله (نَنْظُرْ) بالجزم على الجواب (أَتَهْتَدِي) إلى معرفة عرشها ، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ).
٤٢ ـ (فَلَمَّا جاءَتْ) بلقيس (قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ) ها للتنبيه ، والكاف للتشبيه ، وذا اسم الإشارة (١) ، ولم يقل أهذا عرشك ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقينا (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) فأجابت أحسن جواب ، فلم تقل هو هو ولا ليس به ، وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين أو لما شبّهوا عليها بقولهم : أهكذا عرشك شبّهت عليهم بقولها كأنه هو ، مع أنها علمت أنه عرشها (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ
__________________
(١) في (ز) إشارة.