(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (٦٦)
أحد إلا حمار ، وقالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله (١). وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وقت الساعة (وَما يَشْعُرُونَ) وما يعلمون (أَيَّانَ) متى (يُبْعَثُونَ) ينشرون.
٦٦ ـ (بَلِ ادَّارَكَ) مكي وبصري ويزيد والمفضّل (٢) ، أي انتهى وتكامل ، من أدركت الفاكهة تكاملت نضجا ، بل ادّرك عن الأعشى افتعل ، بل ادّارك غيرهم ، استحكم ، وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلّم بها (عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي في شأن الآخرة ومعناها ، والمعنى أنّ أسباب استحكام العلم وتكامله بأنّ القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكّنوا من معرفته وهم شاكّون جاهلون ، وذلك قوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم ، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ، ثم بأنهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شكّ ومرية فلا يزيلونه ، والإزالة مستطاعة ، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى ، وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأه ، فلذا عدّاه بمن دون عن لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم عن التدبّر والتفكّر ، ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية ، وهو وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكّن من المعرفة بما قبله ، وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب ، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه ، أنه لما ذكر أنّ العباد لا يعلمون الغيب كان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم وصل به أنّ عندهم عجزا أبلغ منه ، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بدّ من كونه وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أنّ عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به ، وجاز أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكما بهم ، كما تقول لأجهل الناس ما أعلمك على سبيل الهزء ، وذلك حيث شكّوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته ، ويجوز أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفني من قولك أدركت الثمرة لأنّ تلك غايتها التي عندها تعدم ، وقد فسرها الحسن باضمحلّ علمهم في الآخرة ،
__________________
(١) أخرجه الطبري عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها وأوله : من زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد ... والباقي سواء.
(٢) في مصحف النسفي : (ادَّارَكَ) لذلك افتتح تفسيرها بذكر أصحاب هذه القراءة.