(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (٤١)
أفصح وأشبه بكلام الجبابرة ، إذ أمر هامان وهو وزيره بالإيقاد على الطين منادى باسمه بيا في وسط الكلام دليل التعظّم والتجبّر (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ) أي أصعد ، فالاطّلاع الصعود (إِلى إِلهِ مُوسى) حسب أنه تعالى في مكان كما كان هو في مكان (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) أي موسى (مِنَ الْكاذِبِينَ) في دعواه أنّ له إلها وأنه أرسله إلينا رسولا ، فقد تناقض المخذول فإنه قال ما علمت لكم من إله غيري ، ثم أظهر حاجته إلى هامان ، وأثبت لموسى إلها وأخبر أنه غير متيقن بكذبه ، وكأنه تحصّن من عصا موسى عليهالسلام فلبّس ، وقال لعلّي أطلع إلى إله موسى.
روي أنّ هامان جمع خمسين ألف بنّاء ، وبنى صرحا لم يبلغه بناء أحد من الخلق فضرب الصرح جبريل عليهالسلام بجناحه فقطعه ثلاث قطع ، وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل وقطعة في البحر ، وقطعة في المغرب ولم يبق أحد من عماله إلا هلك.
٣٩ ـ (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ) تعظّم (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِ) أي بالباطل ، والاستكبار بالحقّ لله تعالى ، وهو المتكبّر على الحقيقة ، أي المتبالغ في كبرياء الشأن كما حكى رسولنا عن ربّه : (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار) (١) وكلّ مستكبر سواه فاستكباره بغير الحقّ (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) يرجعون نافع وحمزة وعليّ وخلف ويعقوب.
٤٠ ـ (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) من الكلام الفخم (٢) الذي دلّ به على عظمة شأنه ، شبّههم استقلالا لعددهم وإن كانوا الجمّ الغفير بحصيّات أخذهنّ آخذ بكفّه فطرحهنّ في البحر (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) وحذّر قومك فإنك منصور عليهم.
٤١ ـ (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) قادة (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي عمل أهل النار ، قال ابن عطاء : نزع عن أسرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في ظلمات نفوسهم لا
__________________
(١) مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم عن ربه.
(٢) في (ز) المفخم.