(وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٨)
في خلق (إِفْكاً) وقرىء أفكا ، وهو مصدر نحو كذب ولعب ، والإفك مخفف منه كالكذب واللّعب من أصلهما ، واختلاقهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) كلّه ، فإنه هو الرّزاق (١) وحده لا يرزق غيره (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه ، وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب.
١٨ ـ (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي وإن تكذبوني فلا تضرّوني بتكذيبكم ، فإن الرسل قبلي قد كذّبتهم أممهم وما ضرّوهم وإنما ضرّوا أنفسهم حيث حلّ بهم العذاب بسبب تكذيبهم ، وأما الرسول فقد تم أمره حين (٢) بلّغ البلاغ المبين الذي زال معه الشكّ ، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته ، أو وإن كنت مكذّبا فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء أسوة حيث كذّبوا ، وعلى الرسول أن يبلّغ وما عليه أن يصدّق ولا يكذّب.
وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم عليهالسلام لقومه ، والمراد بالأمم قبله قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم ، وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشأن قريش بين أول قصة إبراهيم وآخرها ، فإن قلت : فالجمل الاعتراضية لا بدّ لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه ، فلا تقول مكة وزيد قائم خير بلاد الله ، قلت : نعم ، وبيانه أنّ إيراد قصة إبراهيم عليهالسلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأن تكون مسلاة له بأنّ أباه إبراهيم عليهالسلام كان مبتلى بنحو ما ابتلي به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان ، فاعترض بقوله وإن تكذّبوا على معنى إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا فقد كذّب إبراهيم قومه وكلّ أمة نبيّها ، لأن قوله فقد كذّب أمم من قبلكم لا بدّ من تناوله لأمة إبراهيم ، وهو كما ترى اعتراض متصل ، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله ، وهدم الشرك وتوهين قواعده ، وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ، ووضوح حجته وبرهانه.
__________________
(١) في (ظ) و (ز) الرازق.
(٢) في (ز) حيث.