فأنزل الله هذه الآية ، فلم أحل له لأني لم أهاجر معه (١) (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) وأحللنا لك من وقع لها أن تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ، ولذلك نكّرها ، قال ابن عباس : هو بيان حكم في المستقبل ولم يكن عنده أحد منهنّ بالهبة ، وقيل الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث (٢) ، أو زينب بنت خزيمة (٣) ، أو أم شريك بنت جابر (٤) ، أو خولة بنت حكيم (٥) ، وقرأ الحسن أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام ، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه بغير إن (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه ، وقيل نكح واستنكح بمعنى ، والشرط الثاني تقييد للشرط الأول ، شرط في الإحلال هبتها نفسها ، وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كأنه قال أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها ، أو (٦) إرادته هي قبول الهبة وما به تتم ، وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمّته سواء في الأحكام إلا فيما خصّه الدليل (خالِصَةً) بلا مهر ، حال من الضمير في وهبت ، أو مصدر مؤكد أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك ، خالصة بمعنى خلوصا ، والفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة (لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) بل يجب المهر لغيرك وإن لم يسمّه أو نفاه. عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله للنبي (٧) ، إن أراد النبي ، ثم رجع إلى الخطاب ليؤذن أنّ الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة ، وتكريره أي تكرير النبيّ تفخيم له (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ) أي ما أوجبنا من المهور على أمّتك في زوجاتهم ، أو ما أوجبنا عليهم في أزواجهم من الحقوق (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) بالشراء ، وغيره من وجوه الملك ، وقوله (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) ضيق متصل بخالصة لك من دون المؤمنين ، وقوله قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم جملة
__________________
(١) الترمذي والحاكم وابن أبي شيبة وإسحاق والطبري وابن أبي حاتم كلهم من رواية السدي عن أبي صالح عنها.
(٢) ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية ، أم المؤمنين وهي آخر امرأة تزوجها النبي عليهالسلام توفيت في «سرف» قرب مكة ودفنت هناك عام ٥١ ه (الأعلام ٧ / ٣٤٢).
(٣) زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية تزوجها النبي عليهالسلام عام ٣ ه وتوفيت عام ٤ ه (الأعلام ٣ / ٦٦).
(٤) أم شريك بنت جابر الغفارية ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم (عيون الأثر ٢ / ٣٨٩).
(٥) خولة أو خويلة بنت حكيم السلمية كانت امرأة صالحة فاضلة تكنى أم شريك قيل هي التي وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم وقد تكونان اثنتين فالله أعلم (عيون الأثر ٢ / ٣٨٨).
(٦) في (ز) لأن.
(٧) ليس في (ظ) و (ز) للنبي.