وقصّة موسى عليهالسلام وإن كانت تشبه في جانب منها قصّة عيسى عليهالسلام ؛ لكثرة الآيات والمعاجز والأدلة ، إلّا أنّ الرفض العام كان من فرعون وقومه الذين يمثلون قوما وشعبا آخر لا ينتمي إليه موسى عليهالسلام ، وهذا بخلاف قصّة عيسى عليهالسلام التي هي أوضح في بيان هذه الحقيقة لانتماء عيسى إلى بني إسرائيل.
وهذا هو هدف الإشارة إلى القصّة في سورة (الزخرف) حسب الظاهر ، والله أعلم : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(١).
كما أنّ هذا هو الهدف الثانوي للإشارة إلى القصّة في سورة (الصف) :
(... فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ)(٢).
الملاحظة الثانية ـ النتائج والآثار :
لقد ذكرنا في القصّة أنّ عيسى عليهالسلام لم يحصل في دعوته للإسرائيليين إلّا التكذيب ، باستثناء استجابة الحواريين لدعوته (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ
__________________
(١) الزخرف : ٥٧ ـ ٥٨.
(٢) الصف : ٦. ذكر السيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) هدفا رابعا ، خلاصته : أنّ قصّة عيسى عليهالسلام تمثل قصّة ولادة فريدة في تاريخ الإنسانية ، تصور للإنسان كيفية الخلق الأوّل له. والإنسان لم يشهد هذا الخلق الأوّل فتكون ولادة عيسى بهذا الشكل شاهدا آخر على هذه الحقيقة ، ولكن ولادة عيسى وإن كانت فريدة في التاريخ ، وهي شاهد على حقيقة خلق الإنسان إلّا أنّ خلقه لم يتم كخلق آدم الذي خلقه الله من تراب وبدون أب وأم ، كما أنّ نفس الولادة لها هذا المدلول. وأمّا القصّة فهي إنّما تذكر بهذه الولادة ، فلا يكون لها دور أكثر من قصّة آدم نفسه ، وإخبار الله عن خلق الإنسان من صلصال من حمأ مسنون.