(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١).
الثالث : وجود خط الترهب في السلوك ، والزهد في الدنيا وشهواتها ، والانعزال عنها. وهذا الخط السلوكي وإن اتّسم بالمغالاة في التطبيق والابتعاد عن أهدافه الصحيحة ، إلّا أنّ له أصل في الشريعة الجديدة ، ويعبّر عن استجابة لنداء عيسى عليهالسلام في التخلي عمّا كان عليه الأحبار والكهنة من الإسرائيليين : من حب الدنيا ، وجمع الأموال ، والحرص على الحياة والمتاع ، بل قد يكون الغلوّ في هذه الرهبانية كان نتيجة لرد الفعل السلبي على الخلق الإسرائيلي.
ولعلّ بيان هذه الحقيقة هو الهدف من آية سورة (الحديد) التي تناولت قصّة عيسى عليهالسلام ، كما أشرنا إليها في المرحلة الرابعة : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٢).
وبالمقارنة مع هذا المنهج السلوكي يتحدّث القرآن الكريم عن اليهود وبني إسرائيل بقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٣).
__________________
(١) البقرة : ٧٤.
(٢) الحديد : ٢٧.
(٣) البقرة : ٩٦.