تكون عليه مشقة لأجل الأولياء. وفى هذا إشارة لمن يخدم الفقراء أن يعلم أنه فى رفق الفقراء.
ثم كان زكريا عليهالسلام يقول : أنّى لك هذا؟ لأنه لم يكن يعتقد فيها استحقاق تلك المنزلة ، وكان يخاف أن غيره يغلبه وينتهز فرصة تعهدها ويسبقه بكفاية شغلها ، فكان يسأل ويقول : أنّى لك هذا؟ ومن أتاك به؟
وكانت مريم تقول : هو من عند الله لا من عند مخلوق ، فيكون لزكريا فيه راحتان : إحداهما شهود مقامها وكرامتها عند الله تعالى ، والثانية أنه لم يغلبه أحد على تعهدها ، ولم يسبق به. قوله «كلما دخل عليها زكريا المحراب» فلفظة كلّما للتكرار (١) وفى هذا إشارة : وهو أن زكريا عليهالسلام لم يذر تعهّدها ـ وإن وجد عندها رزقا ـ بل كل يوم وكل وقت كان يتفقد حالها لأن كرامات الأولياء ليست مما يجب أن يدوم ذلك قطعا ؛ فيجوز أن يظهر الله ذلك عليهم دائما ، ويجوز ألا يظهر ، فما كان زكريا عليهالسلام يعتمد على ذلك فيترك تفقد حالها ، ثم كان يجدّد السؤال عنها بقوله : «يا مريم أنّى لك هذا؟» لجواز أن يكون الذي هو اليوم لا على الوجه الذي كان بالأمس ، فإنه لا واجب على الله سبحانه (٢)
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) إيضاح عن عين التوحيد ، وأن رزقه للعباد ، وإحسانه إليهم بمقتضى مشيئته ، دون أن يكون معلّلا بطاعاتهم ووسيلة عباداتهم.
قوله جل ذكره : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨))
أي لما رأى كرامة الله سبحانه معها ازداد يقينا على يقين ، ورجاء على رجاء ؛ فسأل الولد على كبر سنّه ، وإجابته إلى ذلك كانت نقضا للعادة.
__________________
(١) أي لتكرار زيارة زكريا لها مرة بعد مرة.
(٢) هنا إشارة دقيقة تتصل بمذهب القشيري ـ الذي يخالف المعتزلة ـ أنه لا وجوب على الله فى إثابة المطيع ، لأن طاعة المطيع ليست زيّنا لله ، ومعصيته ليست شيئا لله ، وإنما المعول عليه فضل الله وهذا لا علة له ، ولا وجوب على الله فيه.