مصدّق لما تقدمه من الشرائع ، ومختص بشريعة تنسخ بعض ما تقدمه ، وأقرهم على البعض ـ على ما نطق به تفصيل القرآن.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ .......) الآية.
حين بلّغهم الرسالة واختلفوا ـ فمنهم من صدّقه ومنهم من كذّبه وهم الأكثرون ـ علم أن النبوة لا تنفك عن البلاء وتسليط الأعداء ، فقطع عنهم قلبه ، وصدق إلى الله قصده ، وقال لقومه : من أنصارى إلى الله ليساعدونى على التجرد لحقّه والخلوص فى قصده؟ فقال من انبسطت عليهم آثار العناية ، واستخلصوا بآثار التخصيص : نحن أنصار الله ، آمنا بالله ، واشهد علينا بالصدق ، وليس يشكل عليك (١) شىء مما نحن فيه.
(رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ)
وأما الباقون فجدّوا فى الشقاق ، وبالغوا فى العداوة ، ودسّوا له المكائد ، ومكروا ولكن أذاقهم الله وبال مكرهم ، فتوهموا أنهم صلبوا عيسى عليهالسلام وقتلوه ، وذلك جهل منهم ، ولبس عليهم. فالله ـ سبحانه ـ رفع عيسى عليهالسلام نبيّه ووليّه ، وحقّ الطرد واللّعن على أعدائه ، وهذا مكره بهم :
(ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)
قوله جل ذكره : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ).
الإشارة (٢) فيه إنى متوفيك عنك ، وقابضك منك ، ورافعك من نعوت البشرية ، ومطهرك من إرادتك بالكلية ، حتى تكون مصرّفا بنا لنا ، ولا يكون عليك من
__________________
(١) نرجح أنها فى الأصل : «يشكل (علينا) شىء مما نحن فيه» ، لأن هذا الترجيح يقوى المعنى ، إذ يفصح عن مدى صحة إيمانهم ، أما إذا كانت (عليك) فيكون المعنى أن أنصاره طمأنوه عن أنفسهم ، وطلبوا إليه ألا يستشكل (عليه) أمر من أمورهم ، بدليل ما أفصحوا عنه فى الآية التالية.
(٢) تخدم هذه الإشارة فى إبراز وتدعيم واحدة من أخطر قضايا الفكر الديني.