وآثروا الدنيا ومطاوعة الهوى على طلب الحق سبحانه وتعالى ، ثم أنكروا على أهل الطريقة ، وازدادوا فى وحشة ظلماتهم ـ لن تقبل توبتهم ، (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) عن طريق الحق فإنه لا يقبل الأمانة بعد ظهور الخيانة. وعقوبتهم أنهم على ممر الأيام لا يزدادون إلا نفرة قلب عن الطريقة ، ولا يتحسرون على ما فاتهم من صفاء الحالة. ولو أنهم رجعوا عن إصرارهم لها لقبلت توبتهم ، ولكن الحق سبحانه أجرى سنته مع أصحاب الفترة فى هذه الطريقة إذا رجعوا إلى أصول العادة ألا يتأسّفوا على ما مضى من أوقاتهم.
قال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وإن المرتدّ عن الإسلام لأشدّ عداوة للمسلمين من الكافر الأصلى ، فكذلك الراجع عن هذه الطريقة لأشد إنكارا لها وأكثر إعراضا عن أهلها من الأجنبىّ عنها.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))
الإشارة منه : لمن مات بعد فترته ـ وإن كانت له بداية حسنة ـ فلا يحشر فى الآخرة مع أهل هذه القصة ، ولو تشفع له ألف عارف ، بل من كمال المكر به أنه يلقى شبهه فى الآخرة على غيره حتى يتوهم معارفه من أهل المعرفة أنه هو ـ فلا يخطر ببال أحد أنه ينبغى أن يشفع له.
قوله جل ذكره : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
لمّا كان وجود البرّ مطلوبا ذكر فيه «من» التي للتبعيض فقال : (مِمَّا تُحِبُّونَ) ؛ فمن أراد البر فلينفق مما يحبه أي البعض ، ومن أراد البارّ فلينفق جميع ما يحبه. ومن أنفق محبوبه من الدنيا وجد مطلوبه من الحق تعالى ، ومن كان مربوطا بحظوظ نفسه لم يحظ بقرب ربّه.
ويقال إذا كنت لا تصل إلى البر إلا بإنفاق محبوبك فمتى تصل إلى البارّ وأنت تؤثر عليه حظوظك. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) منهم من ينفق على ملاحظة الجزاء