وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦))
أوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام «قل للظّلمة حتى لا يذكرونى فإنى أوجبت أن أذكر من ذكرنى ، وذكرى للظّلمة باللعنة». وقال لظلمة هذه الأمة :
(أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ) ثم قال فى آخر الآية : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ).
ويقال فاحشة كلّ أحد على حسب حاله ومقامه ، وكذلك ظلمهم. وإن خطور المخالفات ببال الأكابر كفعلها من الأغيار ، قال قائلهم :
أنت عينى وليس من حق عينى |
|
غضّ أجفانها على الأقذاء (١) |
فليس الجرم على البساط كالذّنب على الباب.
ويقال فعلوا فاحشة بركونهم إلى أفعالهم ، أو ظلموا أنفسهم بملاحظة أحوالهم ، فاستغفروا لذنوبهم بالتبري عن حركاتهم وسكناتهم علما منهم بأنه لا وسيلة إليه إلا به ، فخلصهم من ظلمات نفوسهم. وإن رؤية الأحوال والأفعال لظلمات عند ظهور الحقائق ، ومن طهّره الله بنور العناية صانه عن التورط فى المغاليط البشرية (٢).
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) بردّهم إلى شهود الربوبية ، وما سبق لهم من الحسنى فى سابق القسمة.
(وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مؤجلا من الفراديس ، ومعجّلا فى روح المباحات وتمام الأنس.
قوله جل ذكره : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا
__________________
(١) البيت لابن الرومي يعاتب صديقه أبا القاسم التوزى الشطرنجى.
(٢) القشيري فى هذه الفقرة متأثر بتعاليم أهل الملامة النيسابورية الذين يعلنون حربا لا هوادة فيها على كل دعوى للنفس حتى ليحاولون ستر حياتهم الباطنية بفعل ما يوجب ملامة الناس ، وكل ذلك فى سبيل كسر النفس وعدم استشعار العبد لأى فضل منه :