ومن تصدّق بنفسه على طاعة ربه ، وتصدّق بقلبه على الرضا بحكمه ، ولم يخرج بالانتقام لنفسه ، وحثّ الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية إلى ربه ، وأصلح بين الناس بصدقه فى حاله ـ فإنّ لسان فعله أبلغ فى الوعظ من لسان نطقه ، فهو الصّديق فى وقته. ومن لم يؤدّب نفسه لم يتأدب به غيره ، وكذلك من لم يهذّب حاله لم يتهذّب به غيره.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) غير سائل به مالا أو حائز لنفسه به حالا فعن قريب يبلغ رتبة الإمامة فى طريق الله ، وهذا هو الأجر الموعود فى هذه الآية (١).
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥))
خواطر الحق سفراؤه تعالى إلى العبد ، فمن خالف إشارات ما طولب به من طريق الباطن استوجب عقوبات القلوب ، ومنها أن يعمى عن إبصار رشده. وكما أن مخالف الإجماع عن الدين خارج فمخالف ما عرف من الحقيقة بعد ما تبين له الطريق ـ ساقط.
قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ
__________________
(١) نلاحظ فى هذه الفقرة أن القشيري يوجه ـ بطريق غير مباشر ـ لومه إلى بعض الوعاظ المحترقين الذين ظهروا فى عصره وقبل عصره.