وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦))
يعنى أتبعناهم بعيسى ابن مريم ، وخصصناه بالإنجيل ، وفى الإنجيل تصديق لما تقدّمه ، وتحقيق لما أوجب الله وألزمه ، فلا الدّين قضوا حقه ، ولا الإنجيل عرفوا فرضه ، ولا الرسول حفظوا أمره ؛ ففسقوا وضلوا ، وظلموا وزلّوا.
قوله جل ذكره : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))
قال الله تعالى فى هذه السورة (١) : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). وقال فى موضع آخر (... فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وقال فى هذه الآية (... فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أمّا فى الأول فقال : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) ... (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) لأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو جاحد والجاحد كافر.
وفى الثاني قال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأن من جاوز حدّ القصاص واعتبار المماثلة ، وتعدى على خصمه فهو ظالم لأنه ظلم بعضهم على بعض.
وأمّا هاهنا فقال : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ... (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أراد به معصية دون الكفر والجحد (٢).
قوله جل ذكره : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)
__________________
(١) وردت فى هذه (الآية) والصواب أن تكون (السورة) لأن القشيري ألقى نظرة شاملة على آية واحدة ذات نهايات شتى فى السورة كلها.
(٢) وهذه هى المنزلة بين الكفر والإيمان ـ كما يسميها بعض علماء الكلام.