ذكر الله بقلوبهم لما مسّهم طائف الشيطان ، فإن الشيطان لا يقرب قلبا فى حال شهوده الله ؛ لأنه ينخنس عند ذلك. ولكن لكل صارم نبوة ، ولكلّ عالم هفوة ، ولكل عابد شدة ، ولكل قاصد فترة ، ولكل سائر وقفة ، ولكل عارف حجبة ، قال صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليغان على قلبى ....» (١) أخبر أنه يعتريه ما يعترى غيره ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «الحدّة تعترى خيار أمتى» (٢) ، فأخبر أنّ خيار الأمة ـ وإن جلت رتبتهم لا يتخلصون عن حدّة تعتريهم فى بعض أحوالهم ، فتخرجهم عن دوام الحلم.
قوله جل ذكره : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢))
إخوان الشيطان أرباب دوام الغيبة ؛ فهم فى كمال الغفلة تدوم بهم الحجبة ؛ فمنهم بالزّلّة من لم يلم ، أو ألمّ ولكن لم يصرّ فهم خياره (٣) ، ومنهم من غفل واغترّ ، وعلى دوام الغيبة أصرّ ـ فهم المحجوبون قطعا ، والمبعدون (٤) ـ عن محلّ القرب ـ صدّا (٥) وردّا.
قوله جل ذكره : (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ
__________________
(١) «إنه ليغان على قلبى فاستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم مائة مرة» أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ، وفى رواية لمسلم : «توبوا الى ربكم فو الله إنى لأتوب إلى ربى تبارك وتعالى فى اليوم مائة مرة» ويقول صاحب اللمع : الغين الذي كان يتوب منه الرسول مثله مثل المرآة إذا تنفس فيها الناظر فينقص من ضوئها ثم تعود إلى حالة ضوئها (اللمع ص ٤٥١)
(٢) قال (ص) (انى بشر أغضب كما يغضب البشر) الشيخان عن أبى هريرة وأحمد ومسلم عن جابر
(٣) من هذا يتضح مدى انفساح الأمل أمام العصاة ، وكيف أن باب التوبة يتسع لآمالهم.
(٤) وردت المعبودون وهى خطأ فى النسخ.
(٥) وردت (صمد) وهى خطأ فى النسخ وقد تقدم معنى الصد والرد