بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم ، وقرأ عكرمة وأهس بالسين غير المعجمة ، أي أزجر بها الغنم ، والهس زجر الغنم ، (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) ، حاجات ومنافع أخرى ، جمع مأربة بفتح الراء [وضمها](١) ولم يقل أخر لرءوس الآي ، وأراد بالمآرب ما يستعمل فيه العصا في السفر ، فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر ، ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ، ويستظل بها إذا قعد وغير ذلك.
وروي عن ابن عباس : أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه ، فجعلت تماشيه وتحادثه وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصّنت (٢) غصنا كالشجرة وأورقت وأثمرت ، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي ، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج ، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه.
(قالَ) ، الله تعالى ، (أَلْقِها يا مُوسى) ، انبذها ، قال وهب : ظن موسى أنه يقول ارفضها.
(فَأَلْقاها) ، على وجه الرفض (٣) ثم حانت منه نظرة ، (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ) ، صفراء من أعظم ما يكون من الحيات ، (تَسْعى) ، تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر : (كَأَنَّها جَانٌّ) [القصص : ٣١] وهي الحية الصغيرة الخفيفة (٤) الجسم ، وقال في موضع : [(فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الأعراف : ١٠٧] ، وهي أكبر ما يكون من الحيات ، فأما الحية فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى ، وقيل : الجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبان ، والثعبان عبارة عن انتهاء حالها ، وقيل : إنها كانت في عظم الثعبان خفة (٥) الجان. قال محمد بن إسحاق : نظر موسى فإذا العصا حيّة من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها ، والمحجن عنقا لها وعرفا تهتز كالنيازك ، وعيناها تتقدان كالنّار تمرّ بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل ، فتلتقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ، ويسمع لأسنانها صريف عظيم ، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبرا وهرب ، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ، ثم نودي أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت ، فرجع وهو شديد الخوف.
(قالَ خُذْها) ، بيمينك ، (وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) ، هيئتها الأولى أي نردها عصا كما كانت ، وكان على موسى مدرعة من صوف قد خللها بعيدان (٦) فلما قال الله تعالى : (خُذْها وَلا تَخَفْ) لفّ طرف المدرعة على يده ، فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها ، وذكر بعضهم : أنّه لما لفّ كم المدرعة على يده قال له ملك : أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال : لا (٧) ولكن ضعيف ومن ضعف خلقت ، فكشف عن يده ثم وضعها [في فم الحية](٨) فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ. قال المفسرون : أراد الله عزوجل أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. وقوله : (سِيرَتَهَا) نصب
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فجعلت تماشيه».
(٣) في المطبوع وحده «الأرض».
(٤) في المخطوط «الخفية».
(٥) في المطبوع «سرعة».
(٦) زيد في المطبوع «من الخلال».
(٧) في المخطوط «بلى».
(٨) زيادة عن المخطوط.