(فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) ، بلقائك ، (وَلا تَحْزَنَ) ، أي ليذهب عنها الحزن ، (وَقَتَلْتَ نَفْساً) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان قتل قبطيا كافرا. قال كعب الأحبار : كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة ، (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) ، أي من غم القتل وكربه ، (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ، قال ابن عباس رضي الله عنه اختبرناك اختبارا. وقال الضحاك ومقاتل : ابتليناك ابتلاء. وقال مجاهد : أخلصناك إخلاصا.
وعن ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : أنّ الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلّصه الله منها ، أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت ، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم أخذه بلحية فرعون حتى همّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، ثم قتله القبطي ، ثم خروجه إلى مدين خائفا فكان ابن عباس يقص القصة على سعيد بن جبير ، فعلى هذا معنى فتناك خلصناك من تلك المحن كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث فيه ، والفتون مصدر ، (فَلَبِثْتَ) ، فمكثت أي فخرجت من أرض مصر إلى مدين فلبثت ، (سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) ، يعني ترعى الأغنام [لشعيب](١) عشر سنين ، ومدين بلدة شعيب عليهالسلام على ثمان مراحل من مصر ، هرب إليها موسى.
وقال وهب : لبث عند شعيب عليهالسلام ثمانيا وعشرين سنة ، عشر سنين منها مهر [زوجته صفوراء بنت](٢) شعيب ، وثمان عشرة سنة أقام عنده حتى ولد له ، (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) ، قال مقاتل : على موعد ولم يكن هذا الموعد مع موسى وإنما كان موعدا في تقدير الله ، قال محمد بن كعب : جئت على القدر الذي قدرت لك أنك تجيء إليّ فيه. وقال عبد الرحمن بن كيسان : على رأس أربعين سنة ، وهو القدر الذي يوحى فيه إلى الأنبياء ، وهذا معنى قول أكثر المفسرين ، أي على الموعد الذي وعده الله وقدره أنه يوحى إليه بالرسالة ، وهو أربعون سنة.
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨))
قوله عزوجل : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١) ، أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي ، يعني لتتصرف على إرادتي ومحبتي وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته ، قال الزجاج : اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي ، كأني الذي أقمت بك عليهم الحجة وخاطبتهم.
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) ، بدلالاتي ، وقال ابن عباس : يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى (وَلا تَنِيا) ، ولا تضعفا ، وقال السدي : لا تفترا. وقال محمد بن كعب : لا تقصرا ، (فِي ذِكْرِي).
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٤٣) ، قرأ أبو عمرو وأهل الحجاز : (لِنَفْسِي اذْهَبْ) ، و (ذِكْرِي اذْهَبا) ، و (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا) و (مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ) بفتح الياء فيهن ووافقهم أبو بكر : (مِنْ بَعْدِي
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ابنته صغير ابنة».