وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة. وقال مجاهد : ما سأله إلا الخبز ، قالوا فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما : ما أعجلكما [أتيتما قبل الرعاة](١) قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي.
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦))
قال الله تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ).
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليست بسلفع (٢) من النساء خرّاجة ولاجة ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء ، (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) قال أبو حازم سلمة بن دينار : لما سمع ذلك موسى أراد أن لا يذهب ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب ، فمشت المرأة ومشى موسى خلفها ، فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال لها : امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت ففعلت ذلك ، فلما دخل على شعيب إذ هو بالعشاء مهيأ فقال : اجلس يا شاب فتعش ، فقال موسى : أعوذ بالله ، فقال شعيب : ولم ذاك ألست بجائع؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضا من الدنيا ، فقال له شعيب : لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى وأكل. (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) ، يعني أمره أجمع ، من قتله القبطي وقصد فرعون قتله ، (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، يعني فرعون وقومه ، وإنما قال هذا لأنه لم يكن لفرعون سلطان على أهل مدين.
(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) ، اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا ، (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) ، يعني خير من استعملت من قوي على العمل وأداء الأمانة ، فقال لها أبوها وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت : أمّا قوته فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة. وقيل إلا أربعون رجلا ، وأمّا أمانته فإنه قال لي : امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.
(قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
(قالَ) شعيب عند ذلك ، (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) ، واسمهما صفوراء ، وليا في قول شعيب الجبائي وقال ابن إسحاق : صفورة وشرقا وقال غيرهما الكبرى صفراء والصغرى صفيراء. وقيل زوجه الكبرى وذهب أكثرهم إلى أنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفورة وهي التي ذهبت لطلب
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «بسلع».