الذي تقول حق ولكنّا إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرضنا مكة.
وهو معنى قوله : (نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) ، والاختطاف الانتزاع بسرعة ، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تعير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون حيث كانوا ، لحرمة الحرم ، ومن المعروف أنه كان يأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة ، (يُجْبى) ، قرأ أهل المدينة (١) : «تجبى» بالتاء لأجل الثمرات ، والآخرون بالياء للحائل بين الاسم المؤنث والفعل ، أي يجلب ويجمع ، (إِلَيْهِ) ، يقال : جبيت الماء في الحوض أي جمعته ، قال مقاتل : يحمل إلى الحرم ، (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أنّ ما يقوله حق.
قوله عزوجل : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية ، (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) ، أي في معيشتها ، أي أشرت وطغت ، قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام ، (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يسكنها إلا المسافرون وما رأوا الطريق يوما أو ساعة ، معناه لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا. وقيل : معناه لم يعمر منها إلا أقلها وأكثرها خراب ، (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) ، كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠].
(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١))
(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) ، أي القرى الكافر أهلها ، (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) ، يعني في أكبرها وأعظمها رسولا [أي](٢) ينذرهم وخص الأعظم ببعثة الرسول فيها ، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف والأشراف يسكنون المدائن ، والمواضع التي هي أم ما حولها ، (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) ، قال مقاتل : يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا ، (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ). مشركون ، يريد أهلكم بظلمهم.
(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) ، تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء ، (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، أن الباقي خير من الفاني ، قرأ عامة القراء : «تعقلون» بالتاء وأبو عمرو بالخيار بين التاء والياء.
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) ، أي الجنة ، (فَهُوَ لاقِيهِ) ، مصيبة ومدركه وصائر إليه ، (كَمَنْ مَتَّعْناهُ
__________________
ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٣٨٥ من طريق عمرو بن شعيب عن ابن عباس «أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا).
قال النسائي : ولم يسمعه منه أي لم يسمع عمرو من ابن عباس.
ـ فالإسناد ضعيف ، ولا يصح هذا الخبر.
(١) زيد في المطبوع «يعقوب».
(٢) زيادة عن المخطوط.