الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة. قال : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض ، فذلك قوله عزوجل : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) ، (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ) ، جماعة ، (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) ، يمنعونه من الله ، (وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) ، الممتنعين مما نزل به من الخسف.
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) ، صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من المال والزينة يتندمون على ذلك التمني ، والعرب تعبر عن الصيرورة بأضحى وأمسى وأصبح تقول أصبح فلان عالما وأضحى معدما وأمسى حزينا ، (يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ) ، اختلفوا في معنى هذه اللفظة ، قال مجاهد : ألم تعلم ، وقال قتادة : ألم تر. قال الفراء : هي كلمة تقرير كقول الرجل أما ترى إلى صنع الله وإحسانه. وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك؟ فقال : ويكأنّه وراء البيت ، يعني أما ترينه وراء البيت. وعن الحسن : أنه كلمة ابتداء تقديره أن الله يبسط الرزق. وقيل : هو تنبيه بمنزلة ألا وقال قطرب ويك بمعنى ويلك حذفت اللام منه كما قال عنترة :
ولقد شفى وأبرأ سقمها |
|
قول الفوارس ويك عنتر أقدم |
أي ويلك ، وإن منصوب بإضمار ، واعلم أن الله ، وقال الخليل : وي مفصولة من كأن ومعناها التعجب كما يقول وي لم فعلت ذلك ، وذلك أن القوم تندموا فقالوا : وي متندمين على ما سلف منهم وكأن معناه أظن ذلك وأقدره ، كما تقول : كأن الفرج (١) قد أتاك أي أظن ذلك وأقدره ، (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) ، أي يوسع ويضيق ، (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) ، قرأ حفص ويعقوب بفتح الخاء والسين وقرأ العامة بضم الخاء وكسر السين ، (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ).
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦))
قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) ، قال الكلبي ومقاتل : استكبارا عن الإيمان ، وقال عطاء : استطالة على الناس وتهاونا بهم. وقال الحسن : لم يطلبوا الشرف والعز عند ذي سلطانهم (٢).
وعن علي رضي الله عنه : أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة (٣) وأهل المقدرة (٤) (وَلا فَساداً) قال الكلبي : هو الدعاء إلى عبادة غير الله. وقال عكرمة : أخذ أموال الناس بغير حق. وقال ابن جريج ومقاتل : العمل بالمعاصي ، (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب معاصيه. وقال قتادة : الجنة للمتقين.
__________________
(١) في المطبوع «كان الفرح».
(٢) في المطبوع «سلطانها».
(٣) تصحف في المطبوع «الولادة».
(٤) في المطبوع «القدرة».