(وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) ، أكثر مما عمرها أهل مكة ، قيل : قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ، (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) ، بنقص حقوقهم ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، ببخس حقوقهم.
(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) ، أي أساءوا العمل ، (السُّواى) ، يعني الخلة التي تسوؤهم وهي النار ، وقيل : السوء اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة ، (أَنْ كَذَّبُوا) ، أي لأن كذبوا ، وقيل تفسير السوء ما بعده وهو قول «أن كذبوا» يعني ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملتهم تلك السيئات على أن كذبوا ، (بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) ، قرأ أهل الحجاز والبصرة : «عاقبة» بالرفع أي ثم كان آخر أمرهم السوء ، وقرأ الآخرون بالنصب على خبر كان ، وتقديره : ثم كان السوء عاقبة الذين أساءوا.
قوله تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ، ولم يقل يعيدهم ، ردّه إلى الخلق ، (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، فيجزيهم بأعمالهم ، قرأ أبو عمرو وأبو بكر : «يرجعون» بالياء والآخرون بالتاء.
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨))
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) (١٢) ، قال قتادة والكلبي : ييأس المشركون من كل خير. وقال الفراء : ينقطع كلامهم وحجتهم. وقال مجاهد : يفتضحون.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) (١٣) ، جاحدين متبرءين يتبرءون منها وتتبرأ منهم.
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) (١٤) ، أي يتميز أهل الجنة من أهل النار. وقال مقاتل : يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدا.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) ، وهي البستان الذي في غاية النضارة ، (يُحْبَرُونَ) ، قال ابن عباس : يكرمون. وقال مجاهد وقتادة : ينعّمون. وقال أبو عبيدة : يسرون ، والحبرة السرور ، وقيل : الحبرة في اللغة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين ، وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير : تحبرون هو السماع في الجنة. وقال الأوزاعي : إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلّا وردت ، وقال : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) ، أي البعث يوم القيامة ، (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ) ، أي سبحوا الله و [قيل](١) معناه صلوا لله ، (حِينَ تُمْسُونَ) ، أي
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.