قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وكان بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان ، (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، بأمر ربه قال ابن عباس سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، (وَمَنْ يَزِغْ) ، أي يعدل ، (مِنْهُمْ) ، من الجن ، (عَنْ أَمْرِنا) ، الذي أمرنا به من طاعة سليمان ، (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) ، في الآخرة ، وقال بعضهم : في الدنيا وذلك أن الله عزوجل وكلّ بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته.
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) ، أي مساجد وأبنية مرتفعة وكان مما عملوا [له](١) بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحه (٢) لهم ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها (٣) الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه (٤) الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنه ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عزوجل ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المينا الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللئالئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عزوجل ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا.
[١٧٥٨] وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لما فرغ سليمان من بناء بيت
__________________
[١٧٥٨] ـ صحيح ، أخرجه أحمد ٢ / ١٧٦ والحاكم ١ / ٣٠ ـ ٣١ و ٢ / ٤٢٤ وابن حبان ١٦٣٣ من طرق عن الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص به.
ـ وإسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم غير ابن الديلمي ، وهو ثقة.
ـ وأخرجه النسائي ٢ / ٣٤ من طريق ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن ابن الديلمي عن ابن عمرو به.
ـ وأخرجه ابن ماجه ١٤٠٨ من طريق أيوب بن سويد ، عن أبي زرعة عن ابن الديلمي عن ابن عمرو به.
(١) في المطبوع «في».
(٢) في المخطوط «يستخلصه».
(٣) في المخطوط ـ ب ـ «المهاء».
(٤) تصحف في المطبوع «فوجد».