المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأله حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إيّاه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إيّاه وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك».
قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخر. قوله : (وَتَماثِيلَ) أي كانوا يعملون له تماثيل أي صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام. وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور. وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد (١) ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله. (وَجِفانٍ) ، أي قصاع واحدتها جفنة ، (كَالْجَوابِ) ، كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد (٢) على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون [منها (وَقُدُورٍ راسِياتٍ)](٣) ثابتات لها قوائم لا تحركن عن أماكنهن (٤) لعظمهن ولا ينزلن ولا يقلعن (٥) ، وكان يصعد عليها بالسلام ، وكانت باليمن ، (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ، أي وقلنا اعملوا آل داود شكرا ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، أي العالم بطاعتي شكرا لنعمتي قيل : المراد من آل داود هو داود نفسه. وقيل : داود وسليمان وأهل بيته. وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا يقول : كان داود النبي عليهالسلام قد جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.
(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) ، أي على سليمان ، قال أهل العلم : كان سليمان عليهالسلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين ، والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه ، فأدخله (٦) في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت في محراب بيت المقدس شجرة ، فيسألها : ما اسمك؟ فتقول : اسمي كذا ، فيقول لأي شيء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا ، فيأمر بها فتقلع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها وإن كانت لدواء تركت (٧) ، حتى نبتت الخروبة ، فقال لها : ما أنت؟ قالت : الخروبة ، قال : لأي شيء نبت؟ قالت : لخراب مسجدك ، فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ، فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم قال : اللهم عمّ على الجن موتى حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم
__________________
ـ وأيوب بن سويد ، ضعفه الأئمة.
(١) في المطبوع «المسجد».
(٢) في المطبوع «يعقد».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «أماكنها».
(٥) في المخطوط. «يطلن».
(٦) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع و ـ ط «فأدخل».
(٧) تصحف في المطبوع «كتب».